في مشهد مفاجئ لا يخلو من التعقيد.. وجدت محافظة السويداء نفسها أمام لحظة فارقة بعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار الذي جاء بضغوط أمريكية وموافقة إسرائيلية.. هذه الخطوة أثارت تساؤلات واسعة حول مستقبل الجنوب السوري وحدود الدور الخارجي في توجيه مسار الأحداث.
فبعد أيام من التصعيد على الأرض بين البدو والعشائر الداعمة لها والمقاتلين الدروز من أهالي السويداء، بما في ذلك غارات إسرائيلية استهدفت مواقع في دمشق بذريعة "حماية الأقلية الدرزية"، دخلت واشنطن على الخط مباشرة عبر مبعوثها إلى سوريا توم برّاك الذي أعلن بعد أيامٍ دامية عن تفاهم ثلاثي بين سوريا وإسرائيل والولايات المتحدة بدعم إقليمي من تركيا والأردن ودول الجوار.. هدف الاتفاق الظاهر هو إحلال السلام لكن ما خلف الكواليس قد يكون أعمق بكثير.
الاتفاق يحمل في طياته شروطاً جريئة وبعضها جديد عن الاتفاقات السابقة كدمج عناصر الفصائل الدرزية بالأجهزة الأمنية وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط من الدروز والبدو وإعادة مؤسسات الدولة إلى السويداء وفتح ممر آمن لمن يرفض الانخراط في التفاهمات.. كما ينص الاتفاق على محاسبة من ارتكب انتهاكات بغضّ النظر عن خلفيته وتكليف أبناء المحافظة بحفظ الأمن بالتعاون مع الأجهزة الأمنية.
في المقابل سارعت الرئاسة السورية إلى إعلان دعمها للاتفاق، مؤكدةً أن الدولة ستتدخل لضبط الأمن وفض الاشتباكات "بالحكمة"، داعية إلى التكاتف ونبذ دعوات التصعيد.. كما أعلنت العشائر الجنوبية التزامها الفوري بوقف إطلاق النار، فيما كشفت الرئاسة الروحية للدروز عن ترتيبات أمنية على حدود المحافظة تشمل نشر حواجز ومنع دخول أي جهة خارجية لمدة 48 ساعة.
لكن رغم هذه المؤشرات يبقى السؤال المحوري.. هل يصمد الاتفاق؟
فالسويداء اليوم تقف على فوهة بركان وسط نزوح عشرات الآلاف وتفاقم أزمة إنسانية، فيما يحذّر مراقبون من أن أي خرق أو تصرف أحادي قد يُفجّر الوضع من جديد ويحيل التفاهمات إلى رماد.
صمود الهدنة سيكون رهناً بتوازن دقيق بين تطمينات دولية وتنازلات داخلية تطفئ الاحتقان الطائفي والضغوط الإقليمية وإن نجحت ربما تشكل بداية طريق نحو "سوريا جديدة" تختلف عما كانت عليه.