في أقصى شرق بيلاروسيا، موقع ظل لسنوات خارج دائرة الاهتمام، يعود اليوم إلى صدارة المشهد الدولي. صواريخ فرط صوتية تحمل رسائل نووية ثقيلة، وتحول السكون الجغرافي إلى بؤرة قلق استراتيجي مفتوح.
صور أقمار اصطناعية وتسريبات استخباراتية أمريكية تقود إلى خلاصة واضحة: روسيا بدأت فعلياً نشر صواريخها الباليستية المتوسطة المدى «أورشينيك» قرب حدود أوروبا. منظومات صاروخية تختزل فلسفة الردع الروسي في عنصرين حاسمين: السرعة والقوة.
مدى يناهز 5500 كيلومتر، سرعة تتجاوز 12 ألف كيلومتر في الساعة، ورؤوس حربية متعددة قابلة للمناورة… معادلة عسكرية تجعل فكرة الاعتراض شديدة التعقيد. ومع هذه المعطيات، يتقدم سؤال التوقيت إلى الواجهة: ما الدافع الحقيقي وراء هذا الانتشار الآن؟.
روسيا، المنخرطة في حرب استنزاف طويلة داخل أوكرانيا، باتت تنظر إلى الصراع باعتباره مواجهة شاملة تتجاوز ساحات القتال. نشر «أورشينيك» في بيلاروسيا يمثل أداة ضغط مباشرة على حلف شمال الأطلسي، ورسالة خاصة إلى بروكسيل مفادها بأن سقف الدعم العسكري لكييف بات محكوماً باعتبارات الردع الروسي.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حذر من استغلال الأراضي البيلاروسية، وحتى البنى السكنية، كنقاط انطلاق غير مباشرة للهجمات. تحذير يعكس اتهاماً ضمنياً بأن مينسك تضع قرارها السيادي في خدمة الأجندة العسكرية الروسية.
في المقابل، تلتزم بيلاروسيا وموسكو خطاباً واحداً يؤكد أن هذه الخطوة لا تمس ميزان القوى. غير أن المزاج الأوروبي يعكس قلقاً متصاعداً، خصوصاً في ظل العقيدة الأمنية الأمريكية الجديدة التي تنظر إلى أوروبا كعبء استراتيجي متنامٍ.
هذا القلق دفع ألمانيا إلى الإسراع باعتماد منظومة «آرو 3» الإسرائيلية، في محاولة لتعزيز قدرات الدفاع الجوي الأوروبي أمام تهديد صاروخي يوصف بأنه بالغ التعقيد. ومع ذلك، يطرح خبراء سيناريو حساس: ماذا لو تمكن «أورشينيك» من اختراق الغلاف الجوي؟ عندها تتراجع كل الحسابات، وتبرز حقيقة واحدة في معادلة الردع: موسكو تقدمت بخطوة حاسمة على الجميع.