كمن يدخل من نفق الأزمة وأبوابها المخلوعة، تضع الولايات المتحدة موطئ قدم لها في مالي مجددا.. فالبلد الذي يخنق الحصار عاصمته، ويترنح جيشه على خطوط المواجهة، يحتاج لطوق نجاة من أي جهة لإنقاذه. ولعل واشنطن تلقت إشارة الاستغاثة وقررت التحرك في الوقت القاتل.
وفي خضم الحصار المفروض على العاصمة باماكو من قبل جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة للقاعدة، أجرت واشنطن محادثات رفيعة المستوى قادها مساعد وزير الخارجية الأمريكي كريستوفر لاندرو مع وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب.. لقاء وصفه دبلوماسيون بأنه أول "ثغرة جدية" في جدار القطيعة بين مالي والغرب، واستغلال ذكي لتراجع الدور الروسي في دعم حليفها آسيمي غويتا.
وضمن ما يمكن وصفه بـ"اللعب في الهوامش الضيقة".. تقول مصادر سياسية في باماكو إن الجيش يحاول الضغط على موسكو عبر التلويح ببديل أمريكي، لكنه لا ينوي مراجعة تحالفاته في الوقت الراهن لأن أي خطوة غير محسوبة قد تسقط البلاد في قبضة القاعدة.
وفي مشهد أوسع للأزمة.. تدرك القوى الغربية أن انهيار باماكو يعني فتح الباب أمام سيناريو "أفغنة" بلد في الساحل الأفريقي، وما يترتب عليه من موجات هجرة غير نظامية وفوضى أمنية قد يصل صداها بقوة للدول الأوروبية، وهو ما يرجح عودة التعاون مع مالي سواء عبر دعم عسكري مباشر أو حتى توفير معدات قد تقلب موازين الحرب مع جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين".
ولاستعادة النفوذ المفقود، يرى مراقبون أن الفرصة مناسبة الآن للغرب لتحسس "خاصرة مالي الضعيفة" ووضع حد للتمدد الروسي في أفريقيا.. فهل تكون باماكو محطة عودة الغرب للقارة؟ أم أن لروسيا رأيا مغايرا؟