لم تختَر الحرب يوماً، ولم تكن على استعداد لمواجهة ثمنها الباهظ، لكنّها اليوم أكثر مَنْ يدفع الثمن، "أم فلاح" سيدة فلسطينية سبعينية، فقدت 5 من أبنائها و4 من أحفادها في حرب غزة، لتظل مسؤولة عن 15 يتيماً يعيشون اليوم في خيمة فقيرة لن تقيهم برد الشتاء.
وفي مخيم صغير في غزة، تُمسك "أم فلاح" بما تبقى من حكاية عائلة دمّرتها الحرب، وتحاول قدر استطاعتها زرع الحياة في قلوب هؤلاء الأطفال، رغم كلّ المعاناة.
"كل يوم هو معركة من أجل البقاء"، تقول بصوت مكسور لكنّها صامدة، وهي ترى أحفادها يسألون عن آبائهم وأمهاتهم، ولا تجد الكلمات التي تريح قلوبهم.
ولم يتبقَ لـ"أم فلاح" شيء، فقد سُوّي منزلها أرضاً، واضطرت للجوء إلى خيمة فقيرة بعد نزوح متواصل تجاوز العشرين مرّة منذ بداية الحرب، شأنها شأن نحو 90% من سكان غزة الذين اضطروا للنزوح داخلياً.
ومع كل نزوح، تغيّر وجه الحياة بشكل جذري، حتى أبسط الأمور صارت حلماً بعيد المنال.
15 طفلاً تحت رعايتها اليوم، جميعهم محرومون من أبسط المساعدات الأساسية، فيما يعاني نحو 470 ألف شخص في غزة من حالة جوع كارثية.
الأطفال هنا، ورغم صغر سنهّم، ألقيت على عاتقهم مسؤوليات تفوق قدرتهم على التحمّل، يحاولون مساعدة جدتهم في مهام الحياة اليومية، مثل إشعال النار لتحضير الطعام أو جمع الحطب للتدفئة.
أزهار، إحدى أحفاد "أم فلاح"، تمثل نموذجاً حيّاً لذلك. عند حديثنا معها، كنّا نحاول اختيار الكلمات بعناية لتتناسب مع عمرها، لكن المفاجأة كانت أنّ أزهار تتحدث عن المأساة وكأنّها سيدة بالغة عاشت تجارب الحياة الصعبة، وتعرف معنى المسؤولية قبل أوانها.
"أريد بيتاً صغيراً لأشعر بالأمان مع أخوتي"، تقول أزهار، وهي تعكس البراءة الممزوجة بالمعاناة التي فرضتها الحرب على هذه الأجيال.
الحرب لم تقتصر على فقدان العائلة فحسب، بل سلبت هذه الأسرة كلّ شيء، حتى الحلم بالعيش الكريم.
ومع ذلك، لا تزال هناك بقايا أمل ورغبة في السلام، حلم بسيط يُترجم في "أم فلاح" وأحفادها على شكل بيت دافئ وطعام يومي، وكفاح مستمر لتأمين حياة كريمة للأطفال الذين لم يختاروا الحرب، لكنّهم أصبحوا ضحاياها.
هذه القصة ليست استثناءً في غزة، بل تمثل واقع ملايين الأسر التي تعيش تحت وطأة الحرب، بين النزوح وفقدان الأحباء ونقص الغذاء والمأوى.
ومع ذلك، تبقى روح الصمود، رغم قسوة الحياة، حاضرة في وجوه هؤلاء الأطفال، في عيون أمهاتهم وجداتهم، وفي كلّ لحظة نضال يومية من أجل البقاء، واستعادة الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
"أم فلاح"، بخيمتها الصغيرة وقلبها الكبير، تذكّر العالم بأنّ الحرب لا تقتل فقط الأجساد، بل تحاول سرقة الطفولة، والحلم، والأمل، لكنها لا تستطيع أن تقتل الإرادة في قلب إنسان يحاول العيش رغم كلّ شيء.