في عالم كرة القدم الحديثة، لا تُحسم المعارك فقط داخل المستطيل الأخضر، بل تبدأ من المكاتب الإدارية وتنتهي بتوقيع العقود. ولعل الخطوة الأخيرة التي اتخذتها إدارة نادي النصر بتجديد عقد الموهبة الصاعدة عبد الرحمن سفياني لمدة 3 مواسم، لم تكن مجرد إجراء روتيني للحفاظ على لاعب شاب، بل كانت بمثابة ضربة معلم إدارية، وصفعة قوية لأطماع المنافسين، وعلى رأسهم الغريم التقليدي الهلال، الذي ارتبط اسمه طويلا بمحاولة خطف اللاعب.
تأمين جوهرة النصر والملقب بلامين يامال الكرة السعودية يحمل في طياته أبعاداً استراتيجية تتجاوز مجرد بقاء لاعب واعد، ويمكن تلخيص المكاسب الخمسة الكبرى التي حققها العالمي من هذا القرار في النقاط التالية:
في ظل التضخم المرعب لأسعار اللاعبين المحليين، أصبح شراء عقد لاعب محلي سوبر يكلف خزائن الأندية عشرات الملايين من الريالات، ناهيك عن الرواتب الفلكية. الحفاظ على سفياني يعني أن النصر قد صنع نجمه بيده بدلاً من شرائه.
إن الاستثمار في موهبة تدرجت في الفئات السنية ووصلت للنضج الكروي يوفر على النادي ميزانية ضخمة كان سيضطر لإنفاقها بعد عامين أو ثلاثة لاستقطاب جناح بالمواصفات ذاتها؛ ما يمنح الإدارة مرونة مالية لتوجيه تلك الأموال لصفقات أجنبية نوعية.
2. خلق هوية وانتماء (روح أبناء النادي)
كرة القدم ليست مجرد تكتيك، بل هي روح وانتماء. وجود لاعبين تدرجوا في النادي وتشربوا حبه منذ الصغر يخلق نوعاً من الغيرة على الشعار لا نجدها دائماً عند اللاعبين القادمين من الخارج.
سفياني، الذي صرح بوضوح "اخترت الصح"، يمثل نواة لجيل جديد من أبناء النادي الذين يقاتلون من أجل الكيان وليس فقط من أجل العقد. هذه الهوية هي التي تصنع الفارق في مباريات الديربي والمواعيد الكبرى، حيث تكون الروح القتالية هي السلاح الأهم.
3. تأمين حصون المستقبل لما بعد حقبة الأساطير
يدرك العقل المدبر في نادي النصر أن دوام الحال من المحال، وأن حقبة الأساطير الحاليين بقيادة كريستيانو رونالدو وساديو ماني ستنتهي يوماً ما بحكم السن.
هنا تكمن أهمية سفياني؛ فهو ليس مجرد لاعب تكميلي، بل هو حجر الزاوية لمشروع النصر المستقبلي. تأمينه الآن يعني ضمان استمرارية المنافسة وسلاسة انتقال الراية من جيل الخبراء إلى جيل الشباب الموهوب، لضمان ألا يسقط الفريق في فخ الفراغ الفني بعد رحيل النجوم الكبار.
4. امتلاك الورقة الرابحة والمفاجأة للخصوم
فنيا، يعتبر سفياني كابوساً للمدافعين بسبب أسلوبه غير التقليدي وقدرته على المراوغة في المساحات الضيقة؛ ما يجعله شبيهاً بأسلوب اللعب اللاتيني أو الإسباني.
في المباريات المغلقة، يحتاج المدربون إلى لاعب يكسر النمطية، وسفياني هو تلك الورقة الرابحة التي يمكنها قلب الموازين في لحظات. فامتلاك لاعب بمواصفات مفاجئة للخصوم يعتبر سلاحاً تكتيكياً فتاكاً سيراهن عليه النصر بقوة في المواسم القريبة لفك شفرات الدفاعات المتكتلة.
المكسب الخامس والأخير هو معنوي بامتياز. نجاح النصر في الإبقاء على موهبته وسط أحاديث عن رغبة هلالية سابقة يعزز من ثقة المدرج النصراوي في إدارته. هذا التجديد يرسل رسالة واضحة بأن النصر بيئة جاذبة ومستقرة، وأنه قادر على حماية مكتسباته من أطماع الجار، مغلقاً بذلك باباً كان يمكن أن تأتي منه رياح الفتنة الإدارية والجماهيرية.
باختصار، توقيع سفياني هو إعلان عن استراتيجية نصراوية بعيدة المدى، تؤكد أن العالمي لا يبحث فقط عن الفوز بمباراة اليوم، بل يخطط للهيمنة على ألقاب الغد، بأسلحة صنعها ونحتها داخل أسوار النادي.
