في أجواء سياسية ودبلوماسية مشحونة، وصل وزير الدولة البريطاني لشؤون التجارة والأمن الاقتصادي، دوغلاس ألكسندر، إلى العاصمة التايوانية تايبيه، للمشاركة في الجولة الـ27 من المحادثات التجارية السنوية بين المملكة المتحدة وتايوان.
ورغم أن هدف الزيارة المعلن هو تعزيز التجارة والاستثمار، إلا أن السياق الجيوسياسي المحيط بها لا يمكن تجاهله، خصوصًا في ظل تصاعد التوتر بين بريطانيا والصين.
الزيارة تأتي عقب إعلان بريطانيا عن استراتيجية تجارية جديدة تركز على القطاعات التي تقود النمو، مثل التكنولوجيا الرقمية والطاقة الخضراء.
وتشمل أجندة الوزير توقيع ركائز الشراكة التجارية المعززة (ETP) مع الجانب التايواني، والتي تغطي ملفات الاستثمار، والتجارة الرقمية، والطاقة، وتحقيق الحياد الكربوني.
وأكد ألكسندر في بيان رسمي: "نُشارك تايوان علاقة تجارية طويلة الأمد، وبلغ التبادل التجاري ذروته العام الماضي، لكننا نعلم أن هناك فرصًا أكبر أمام الشركات البريطانية".
بلغت قيمة التجارة الثنائية بين البلدين 9.3 مليار جنيه إسترليني في 2024، فيما تُعد تايوان الاقتصاد رقم 22 عالميًا، وتتمتع بريادة واضحة في مجالات التقنيات الرقمية والتصنيع المتقدم، ما يجعلها شريكًا محوريًا للندن في مرحلة ما بعد "البريكست".
ورغم تأكيد لندن على أن العلاقة مع تايوان غير رسمية، حيث لا توجد علاقات دبلوماسية كاملة، فقد اعتبرت وسائل إعلام صينية حكومية الخطوة "استفزازًا سياسيًا مغلّفًا بالأهداف الاقتصادية".
ومؤخرًا تعمّق التوتر بين الجانبين بعد انتقاد الجيش الصيني لمرور سفينة حربية بريطانية عبر مضيق تايوان، واصفًا الخطوة بأنها "محاولة متعمّدة لخلق الفوضى".
ويرى متخصصون مثل جيف سوليفان، الباحث في العلاقات عبر مضيق تايوان، أن مثل هذه الزيارات تمثل "تلاعبًا محسوبًا بقواعد اللعبة الدبلوماسية"، حيث تُستثمر أدوات التجارة لتوجيه رسائل سياسية دون الدخول في مواجهة مباشرة.
ويضيف سوليفان أن بريطانيا تحاول استخدام ما يُعرف بـ"الدبلوماسية الاقتصادية المتوازنة" كأداة للتأثير، دون المساس بإطار العلاقة الرسمية مع الصين.
الزيارة تأتي بعد أيام من نشر الحكومة البريطانية مراجعة أمنية شاملة لعلاقاتها مع الصين، والتي خلصت إلى أن بكين تمثل "تحديًا جيوسياسيًا واسع النطاق"، متهمةً إياها بتصعيد أنشطة التجسس والتدخل السياسي.
إلا أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أكّد أمام البرلمان أن: "قوة الصين حقيقة لا يمكن تجاهلها، وتجميد العلاقات معها ليس خيارًا"، فهي "ثالث أكبر شريك تجاري لنا، ومصدر رئيس لطلابنا الدوليين... لكنها في الوقت نفسه تثير مخاوف كبيرة في مجالات حقوق الإنسان والأمن السيبراني".
لكن الصحفية سيندي يو في "صنداي تايمز" وصفت السياسة الجديدة بأنها: "الكلام القديم نفسه في عباءة جديدة"، وفق تعبيرها.
وأكدت أن المراجعة لم تُنشر، واقتُصِر عرضها على "بيان من عشر دقائق وفقرتين في استراتيجية الأمن القومي".
وتضيف يو أن هناك "ندرة صادمة في خبراء الصين داخل قصر وايت هول"، ما يضعف قدرة الحكومة على التعامل مع تعقيدات العلاقة مع بكين.
ويرى مراقبون أن زيارة دوغلاس ألكسندر لتايوان ليست مجرد حدث اقتصادي، بل اختبار حقيقي لقدرة بريطانيا على التوفيق بين مصالحها التجارية وتحالفاتها الاستراتيجية، دون التضحية بأمنها القومي أو علاقاتها مع بكين.
وفي ظل ما تُوصف بأنها "حرب باردة ناعمة" في آسيا، تبدو تايوان اليوم منصة مركزية لتوازن القوى، تسعى بريطانيا للتموضع فيها بعناية، عبر أدوات التجارة والتكنولوجيا، لا عبر البوارج والدبلوماسية.