أوقفت كوريا الجنوبية مكبرات الصوت المألوفة على حدود الكوريتين، التي كانت تبث الأغاني الكورية والأخبار إلى الشمال، كما توقفت المكبرات الشمالية عن ردِّ الإجراء بالوتيرة ذاتها، في خطوة مفاجئة تعكس تحوّلًا تكتيكيًّا في سياسة الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ.
وبحسب محللين فإن إغلاق المكبرات وإيقاف توزيع المنشورات التي تثير التوتر مع الشمال، كانت من بين أوّل الإجراءات الرمزية للرئيس لي، الذي يسعى لتقليل التوتر مع بيونغ يانغ بعد فترة صدام حادة تحت إدارة سلفه يون سوك يول، ويبدو أنه يراهن على أن هذه الإشارات الصغيرة قد تفتح باب الحوار مع الزعيم الشمالي كيم جونغ أون.
وكشفت "إيكونوميست"، أن هذه التحركات ليست سوى إحدى الطرائق التي يسعى من خلالها لي لوقف الأنشطة التي تُثير غضب الشمال، وبعض إصلاحاته الأخرى تُثير قلقًا أكبر؛ فلسنوات، دأبت وكالة التجسس الكورية الجنوبية على بث برامج إذاعية إلى كوريا الشمالية على أمل منح المواطنين العاديين إمكانية الوصول إلى الأخبار دون رقابة، وهذا العام، توقفت محطاتها عن البث للمرة الأولى منذ عام 2010، وجاء هذا التوقف بعد فترة وجيزة من قيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتفكيك وكالات الأنباء الأمريكية الممولة من الدولة، والتي كانت تبث أيضًا إلى كوريا الشمالية، ونتيجة لذلك، انخفض عدد ساعات البرامج التي تدخل البلاد من الخارج بنحو 80% منذ مايو، وفقًا لمركز "ستيمسون"، وهو مركز أبحاث أمريكي.
ويعتقد مراقبون أن هذه الإجراءات تمثل تنازلًا واضحًا تجاه بيونغ يانغ، التي تعتبر كل وصول للمعلومات غير المراقبة تهديدًا مباشرًا للنظام كيم، وتزيد من المخاطر على المواطنين الذين يسعون لمعرفة الحقيقة.
من جانبه دافع السيد لي عن قراره بتعليق البث الإذاعي، واصفًا الإذاعة بأنها قديمة ومُهدرة للموارد، وقال الشهر الماضي: "كل شيء قابل للبحث على الإنترنت"، غير أن الرئيس من المؤكد أنه يعلم أن الكوريين الشماليين لا يستطيعون الوصول إلى الإنترنت بحرية.
ويرجح مراقبون أن لي يأمل أن تُسهم هذه الخطوة، إلى جانب خطوات أخرى، في إقناع كيم جونغ أون، بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وذكر الأستاذ الفخري في الأكاديمية الدبلوماسية الوطنية الكورية جون بونغ غيون، "لي يبحث عن حلول بسيطة تُوقف تفاقم الأوضاع".
وفي المقابل، يستخدم الشمال هذه الفترة لإظهار قدرته على الصبر، مستفيدًا من دعم الصين وروسيا، ومن المرجح أن يسعى للحصول على مكاسب أكبر، ربَّما تشمل الاعتراف بأسلحته النووية، قبل الانخراط في أي محادثات جدية.
وبينما يطرح الرهان الكوري الجنوبي على حسن نية بيونغ يانغ، تساؤلات عميقة: هل يمكن لخفض التصعيد الصوتي وحده أن يخلق مساحة للتفاوض؟ وما الثمن الذي تدفعه سيول مقابل هذه الهدنة المؤقتة؟ فإن الرئيس لي يأمل في استقرار مؤقت على الحدود، لكن يظل السؤال قائمًا: هل يسهم الصمت في تقريب احتمالات السلام، أو أنه مجرد تنفس قصير قبل موجة جديدة من الصدامات المحتملة؟