تشير بعض السلوكيات إلى أن الصين تغيّر استراتيجيتها لإطلاق الأسلحة النووية، بعد عقود طويلة اتخذت فيها مساراً مختلفاً عن القوتين النوويتين العظميين في العالم، محافظةً على موقف "متساهل" مقارنة بالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
وتقف الصين اليوم عند مفترق طرق، وقد يؤثر خيارها في المخاطر النووية لعقود قادمة، بعدما أبقت أسلحتها في حالة تأهب منخفضة في زمن السلم، ولا تزال الدولة الوحيدة التي تعهدت بعدم البدء باستخدام السلاح النووي تحت أي ظرف من الظروف.
ووفق مجلة "فورين بوليسي"، باتت الصين، أخيراً، تُكثر من الحديث عن تبنّي سياسة الردع النووي التي تُمكّن القيادة من إصدار تفويض بشن ضربات مضادة سريعة بناء على بيانات الإنذار المبكر، فإذا رصدت دولة ما ضربة نووية قادمة، يُمكن لقيادتها شنّ ردّ فوري مماثل، قبل أن تنفجر الرؤوس النووية للعدو فوق أراضيها.
حتى الآن، لم تتبنَّ رسمياً سوى الولايات المتحدة وروسيا استخدام الأسلحة النووية، وقد استكشفت واشنطن خيارات لتقليص دور الأسلحة النووية في استراتيجيتها النووية في عهد الرئيس الأسبق، باراك أوباما، لكنها اختارت في النهاية الإبقاء عليها.
في حين وسّعت روسيا نطاق السيناريوهات التي قد تُطلق فيها رداً نووياً فورياً، من الرد أساساً على الصواريخ الباليستية القادمة، إلى تضمين "بيانات موثوقة عن الإطلاق الضخم" للطائرات أو الصواريخ أو الطائرات المُسيّرة التي تعبر حدودها، مما خفّض بشكل كبير من عتبة الردّ النووي.
وبينما دعا بعض الدبلوماسيين الصينيين علناً جميع الدول النووية إلى رفض استخدام الأسلحة النووية، يبدو أن بكين تعمل بهدوء على بناء البنية التحتية اللازمة لتبني استخدام الأسلحة النووية بنفسها، دون تقديم أي توضيح عام بشأن القدرات أو السياسات ذات الصلة.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن الصين تعمل على بناء نظام شامل للإنذار المبكر، بما في ذلك الأقمار الصناعية التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء وأجهزة الرادار الأرضية الكبيرة، للكشف عن الهجمات المحتملة.
كما برزت، أخيراً، كتابات عسكرية صينية تؤيّد بشكل متزايد مفهوم الهجوم المضاد بالإنذار المبكر، وتقدم مناقشات تفصيلية حول تصميم الهجوم المضاد بالإنذار المبكر وتنفيذه، مع التأكيد على التوافق مع سياسة عدم الاستخدام الأول التي تنتهجها بكين.
كانت الأسلحة النووية دائماً محفوفة بالمخاطر، لكن التغيّرات التي طرأت على البيئة الأمنية الدولية في العقود الأخيرة، تجعلها أكثر خطورة وتعقيداً بالنسبة للصين اليوم، مقارنةً بما كانت عليه بالنسبة لنظيراتها خلال الحرب الباردة.
في حين أن قادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لن يضطروا إلا إلى تتبع الصواريخ الباليستية التي تتبع مسارات متوقعة، سيتعين على الصين التعامل مع صواريخ متطورة ذات مسارات طيران سهلة المناورة، مما يُعقّد تقييم مساراتها وتقدير التهديدات.
علاوة على ذلك، قد يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التمييز بين بعض الصواريخ التقليدية والنووية، مما يزيد تعقيد عملية اتخاذ القرارات بشأن الرد، كما يضيف القرب الجغرافي للصين من أهداف أمريكية محتملة أخرى مزيداً من الغموض.
ويُعتقد أن روسيا والصين وكوريا الشمالية تحتفظ ببعض منشآت الصواريخ النووية أو الاستراتيجية قرب الحدود الصينية. في حالة الأزمات، قد لا يتمكن نظام الإنذار المبكر الصيني من التمييز بدقة ما إذا كانت الصواريخ الأمريكية المتجهة نحو شمال شرق آسيا تستهدف روسيا أو كوريا الشمالية أو الصين نفسها، لا سيما بسبب احتمال حدوث تغيّرات في مسارها في اللحظات الأخيرة.
كما سيواجه القادة الصينيون مهمة شاقة تتمثل في تقييم التهديدات، وتقييم النوايا، وموازنة الخيارات والعواقب، واتخاذ قرار في غضون دقائق بشأن الرد وكيفية القيام بذلك. ويُعدّ تحقيق اليقين المطلق بأن تحذير الهجوم ليس نتيجة خلل فني أو خطأ بشري، أو تدخل سيبراني من العدو، تحدياً هائلاً بالقدر نفسه.
وتقف الصين عند مفترق طرق، وفق "فورين بوليسي"، وقد يؤثر خيارها في المخاطر النووية لعقود قادمة، مشيرة إلى أنه بإمكان بكين أن تختار محاكاة أكثر جوانب استراتيجيات الحرب الباردة النووية زعزعةً للاستقرار، أو أن تعتمد نهج السيطرة المتعمّدة، وضبط النفس الاستراتيجي.