كشف تقرير لصحيفة "التايمز" أن شركات تكنولوجيا صينية عملاقة مدرجة على القوائم السوداء في بريطانيا والولايات المتحدة، تمارس ضغوطاً مكثفة للموافقة على بناء سفارة بكين الجديدة في شرق لندن، مما يثير مخاوف عميقة من تحويل المشروع إلى "مركز تجسس متقدم".
ويرتكز الجدل على موقع دار سك العملة الملكية السابق، الذي اشترته الصين مقابل 255 مليون جنيه إسترليني، ليصبح أكبر مبنى دبلوماسي في أوروبا بمساحة 700 ألف قدم مربع، فوق شبكة كابلات ألياف ضوئية حيوية تربط مدينة لندن المالية.
وبرزت شركة ZTE Mobile، المسيطر عليها من قبل الدولة الصينية، كلاعب رئيس في حملة الضغط، إذ وصفت الشركة، التي غُرّمت بمليار دولار عام 2017 لانتهاك عقوبات أمريكية بإرسال معدات إلى كوريا الشمالية وإيران، المشروع في رسالة إلى لجنة التخطيط الحكومية بأنه "جميل".
ويأتي هذا الدعم رغم تصنيف هيئة الاتصالات الحكومية البريطانية لـZTE كخطر "لا يمكن التخفيف منه" على البنية التحتية للاتصالات البريطانية، ففي عام 2018، أكد المركز الوطني للأمن السيبراني، أن مخاطر معدات ZTE الأمنية غير قابلة للحد، مما أدى إلى استبعادها من شبكات الجيل الخامس في المملكة المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، والهند.
وكتب كينيث كاو، المدير الإداري لـZTE في بريطانيا والذي عمل سابقاً في هواوي، مشيداً بـ"المباني الخضراء" المحيطة بالموقع التاريخي من عصر ريجنسي، معبّراً عن أمله في مساهمتها في "الحياد الكربوني في لندن"، فيما يبدو هذا التركيز على الجوانب البيئية، بحسب "التايمز" محاولة لتلميع صورة الطلب، إلا أن خلفية الشركة في التجسس المزعوم تثير الشكوك.
وانضمت شركة تشاينا موبايل، أكبر مشغل اتصالات لاسلكية في الصين بقيمة سوقية 180 مليار جنيه إسترليني، إلى الجهود بدعم كامل، إذ أعربت الشركة، المملوكة للدولة ولها صلات وثيقة بجيش التحرير الشعبي، عن اعتقادها بأن السفارة "ستجلب الفائدة للمجتمع المحلي وتعزز اقتصاد المنطقة"، مع التأكيد على مراعاة احتياجات السكان.
غير أن هذا الدعم يأتي وسط تشديد أمريكي للقيود الأسبوع الماضي، حيث حذرت واشنطن من أن "خصوم الولايات المتحدة الأجانب يبحثون باستمرار عن طرق لاستغلال أي ثغرات". وخضعت تشاينا موبايل لعقوبات أمريكية عام 2020 تمنع امتلاك أسهمها بسبب روابطها العسكرية، وانسحبت من كندا عام 2021 لمخاوف أمنية، ورفضت التعاون مع تحقيق للكونغرس الأمريكي هذا العام.
ويُعتقد أن الحكومة الصينية نسقت هذه الحملة، حيث طلبت من شركات طاقة حكومية وبنوك تقديم دعم مشابه، مع احتمال منحها عقود بناء. كما انضمت شركات أخرى مثل BYD للسيارات الكهربائية، Sinochem المتعددة الجنسيات الخاضعة لعقوبات أمريكية، والبنك الصناعي والتجاري الصيني – أكبر بنك عالمي – إلى قائمة الداعمين.
وهذه الشركات، المدرجة على قوائم سوداء لأسباب أمن قومي، تثير تساؤلات حول نواياها، خاصة مع موقع السفارة فوق كابلات ألياف ضوئية حساسة، مما يفتح الباب للتجسس الرقمي وسرقة بيانات.
وتجدد هذه التدخلات مخاوف قديمة، فقد كشف دومينيك كومينجز، مستشار رئيس الوزراء البريطاني السابق، أن MI5 وMI6 أبلغتاه صراحة بأن "الصين تحاول بناء مركز تجسس تحت السفارة".
وحُجبت تفاصيل غرف عدة في المخططات "لأسباب أمنية"، مما يغذي الشكوك حول تركيب معدات تجسس، إذ من المحتمل استخدام عمال صينيين في البناء، كما حدث في سفارة واشنطن قبل عقد، مما يعيق الرقابة.
ويواجه وزير الدولة للإسكان، ستيف ريد قراراً حاسماً في منتصف ديسمبر، بعد تحقيق هيئة التفتيش على التخطيط الذي يجب أن يدرس خطابات الدعم "بشكل شامل".
وكانت بكين حذّرت من "عواقب" رفض الطلب، وضغط الرئيس الصيني شي جين بينغ على رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في مكالمة أغسطس الماضي، رغم تأكيد الأخير عدم الخضوع للضغوط.