logo
العالم

ضغوط مزدوجة.. كيف تواجه باريس أعقد لحظات التوتر الدبلوماسي مع واشنطن؟

ضغوط مزدوجة.. كيف تواجه باريس أعقد لحظات التوتر الدبلوماسي مع واشنطن؟
تشارلز كوشنر، وزوجته سيريل، يغادران قصر الإليزيهالمصدر: غيتي إيمجز
25 أغسطس 2025، 1:49 م

قال خبراء في الشأن السياسي الفرنسي إن استدعاء باريس للسفير الأمريكي تشارلز كوشنر، هو بمثابة اختبار لحدود استقلالية وسيادة القرار الفرنسي إزاء القضايا الدولية، خاصة الملف الفلسطيني–الإسرائيلي، وسط ضغوط واشنطن. 

وأضاف الخبراء أن هذا الاستدعاء يكشف عن واحدة من أعقد لحظات التوتر الدبلوماسي بين فرنسا وحليفتها التقليدية الولايات المتحدة منذ سنوات، مؤكدين أن القضية تتجاوز مجرد الانتقاد العلني لسياسات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مكافحة معاداة السامية.

وأوضحوا أن باريس تجد نفسها أمام ضغوط مزدوجة، فمن جهة تسعى للحفاظ على موقعها كوسيط دولي في الشرق الأوسط، وداعم لمسار الاعتراف بدولة فلسطين، ومن جهة أخرى تواجه الالتزامات الاستراتيجية والأمنية التي تفرضها العلاقة مع واشنطن وتل أبيب. 

هذه المعادلة الدقيقة، بحسب الخبراء، ستختبر قدرة ماكرون على تحقيق التوازن بين خطابه الداخلي حول مكافحة الكراهية والالتزام بالمبادئ الدولية، وبين حسابات التحالفات التي قد تحدّ من مساحة المناورة الفرنسية على الساحة العالمية.

أخبار ذات علاقة

تشارلز كوشنر

والد صهر ترامب.. من هو سفير واشنطن في فرنسا تشارلز كوشنر؟

 استقلالية القرار

وبهذا السياق، قال الباحث في العلاقات الدولية بمعهد مونتاني، والمتخصص في سياسات الشرق الأوسط، جان-باتيست مورو، إن استدعاء السفير الأمريكي يعكس حرص فرنسا على تأكيد استقلالية قرارها الدبلوماسي، خصوصاً في ظل محاولات واشنطن وتل أبيب التأثير على مسار النقاش حول الاعتراف بفلسطين. 

وأشار مورو، في تصريح لـ"إرم نيوز"، إلى أن خطوة باريس رسالة واضحة مفادها أن القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية لا يمكن أن تُتخذ تحت الضغط الخارجي، بل تنبع من نقاش داخلي يعكس موازين القوى السياسية والاجتماعية الفرنسية.

وأضاف أن هذا التوتر يعكس أيضاً الحدود الموضوعية لسياسة ماكرون، إذ يجد نفسه في وضعية دقيقة، فهو مطالب داخلياً بمواجهة تنامي معاداة السامية، لكن في الوقت نفسه يتعرض لضغوط من الرأي العام الفرنسي المتعاطف مع القضية الفلسطينية، معتبراً أن هذا التناقض، قد يُضعف من قدرة باريس على الظهور كوسيط محايد في المنطقة.

أخبار ذات علاقة

ماكرون وترامب

رسالة "غير مقبولة" واستدعاء سفير.. ماذا يحدث بين باريس وواشنطن؟ (فيديو إرم)

 "الدبلوماسية الضاغطة"

من جهته، قال الباحث الفرنسي في السياسة الأمريكية ومؤسس منتدى "Nexus Forum"، والمتخصص في العلاقات عبر الأطلسي، راي يانيك ميرور، إن الرسالة التي بعثها السفير الأمريكي تحمل أبعاداً تتجاوز الشأن الفرنسي الداخلي، إذ تعبّر عن محاولة إدارة ترامب إعادة تشكيل الخطاب الأوروبي حول الشرق الأوسط بما يتماشى مع مصالح إسرائيل. 

وأكد ميرور، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن هذا يعكس عودة واشنطن إلى ممارسة "الدبلوماسية الضاغطة" على حلفائها، في وقت يشهد فيه النظام الدولي إعادة اصطفافات بين أوروبا والولايات المتحدة.

وأضاف أن فرنسا تجد نفسها في موقع صعب، فهي تريد الحفاظ على شراكتها الاستراتيجية مع واشنطن، خصوصاً في ملفات مثل أوكرانيا والأمن الأوروبي، لكنها لا تستطيع في الوقت نفسه تجاهل الضغوط الداخلية والبرلمانية التي تدفع نحو الاعتراف بدولة فلسطين.

وشدد ميرور على أنه بالنسبة لماكرون، فإن هذا التوازن الدقيق سيبقى أحد أبرز اختبارات السياسة الخارجية الفرنسية خلال الأشهر المقبلة، وربما يحدد موقع باريس داخل المعادلة الدولية الجديدة.

ورأى أن استدعاء السفير الأمريكي يعد خطوة استثنائية، إذ يمثل إشارة غضب رسمية نادرة تُستخدم فقط عند تجاوز واضح للخطوط الحمراء في العلاقات بين الحلفاء.

لقد عبرت باريس بهذا القرار عن رفضها المطلق لأي محاولة للتدخل في سياسة الاعتراف بالفلسطينيين، مؤكدة أن مثا هذه المسائل الحساسة هي شأن داخلي لا ينبغي لأي طرف خارجي التعليق عليه، وفق ميرور.

واستدعت وزارة الخارجية الفرنسية، يوم الاثنين، السفير الأمريكي الجديد في باريس، تشارلز كوشنر، إثر انتقاده لحكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، واصفاً إياها بأنها لا تتحرك بما فيه الكفاية لمواجهة تصاعد معاداة السامية.

ويأتي هذا الاستدعاء بعد تصريح مشابه لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي بعث برسالة إلى ماكرون يعترض فيها على خطط الاعتراف بدولة فلسطين.

وجاء في رسالة كوشنر، تحذير للرئيس الفرنسي بمناسبة ذكرى تحرير باريس قبل 81 عاماً من قوات الحلفاء، قائلاً إنه "يجب التحرك بحزم: تطبيق قوانين مكافحة جرائم الكراهية دون استثناء، حماية مؤسسات الجالية اليهودية، ومقاطعة كل خطوات تُسبغ شرعية على حماس وتحالفاتها". 

وانتقد تصريحات فرنسا ضد إسرائيل ونيتها الاعتراف بدولة فلسطين، واصفاً إياها بأنها "تشجع المتطرفين، تغذي العنف، وتهدد حياة اليهود في فرنسا".

بدورها، ردت باريس بالقول إن تصريحات السفير "غير مقبولة تماماً وتمس بالسيادة الفرنسية"، مؤكدة أن السلطات "مصممة على مكافحة معاداة السامية".

 وضربت المثل بارتفاع عدد الجرائم التي ارتكبت ضد اليهود من 436 حادثة في عام 2022 إلى نحو 1,676 في عام 2023 و1,570 في عام 2024.

وترى باريس في هذه الرسالة تجاوزاً لنظام العلاقات الدبلوماسية الدولي، خصوصاً ميثاق فيينا لعام 1961 الذي يحظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول المضيفة.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC