logo
العالم

خبير استراتيجي: تصعيد محسوب بين إيران والغرب بعد تفعيل آلية الزناد

مفاعل نووي إيرانيالمصدر: رويترز

أكد الخبير الاستراتيجي، هشام معتضد، أن "التصعيد المحسوب" بين إيران والغرب قادم بعد تفعيل آلية الزناد، في وقت يسيطر فيه غياب الثقة المتبادلة؛ ما يجعل أي اتفاق شامل بعيد المنال، مشيرا إلى أن استرجاع عقوبات أممية شاملة، سيعيد  إيران إلى عزلة أكبر.

وأوضح معتضد في حوار مع "إرم نيوز"، أن إيران تستطيع امتصاص جزء من صدمة تفعيل آلية الزناد، لكن ذلك لن يتم من دون أثمان باهظة داخليا وخارجيا، مرجحا استمرار المفاوضات غير الرسمية عبر قنوات خلفية، بدعم من أطراف وسيطة، مع بعض المحاولات الأوروبية لإحياء خطوط الحوار.

وأشار إلى أن الغرب يبحث عن صيغة "تجميد مقابل تجميد" أي تجميد خطوات إيران نحو السلاح النووي مقابل تجميد بعض العقوبات الأكثر إيلاما، خصوصا تلك المرتبطة بالنفط والقطاع المصرفي، غير أن نجاح هذا المسار مرتبط بمدى استعداد طهران لقبول مراقبة دولية أكثر صرامة، وهو ما تعتبره مساسا بسيادتها.

وتاليا نص الحوار:

لماذا ذهبت الأزمة النووية بين إيران والغرب إلى هذه المواجهة الحادة؟

تعقدت المعادلة؛ لأن القوى الدولية لم تعد متفقة على آليات إدارة الملف الإيراني، فبينما تراهن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على العقوبات كأداة للضغط، نجد روسيا والصين تستخدمان الورقة الإيرانية لتعطيل الهيمنة الغربية ومنع واشنطن من تحقيق مكاسب استراتيجية في المنطقة، هذا الانقسام جعل المؤسسات الدولية، وعلى رأسها مجلس الأمن، عاجزة عن إنتاج توافق فعال، بل تحولت إلى ساحة تجاذب تكشف حدود النظام الدولي الحالي وعجزه عن ضبط الأزمات النووية خارج منطق الاصطفافات.

إيران من جهتها ظنت أن التصعيد المحسوب يمنحها أوراق تفاوض إضافية، ويجعلها لاعبا لا يمكن تجاوزه في أي معادلة إقليمية، لذلك وظفت سياسة "الغموض النووي" عبر الاقتراب التدريجي من العتبة النووية دون تجاوزها رسميا، وهو تكتيك يفرض على خصومها معادلة حساب المخاطر باستمرار، وفي هذا السياق، فإن طهران لا تبحث فقط عن رفع العقوبات، بل تسعى إلى تثبيت اعتراف ضمني بمكانتها كقوة إقليمية قادرة على إعادة صياغة توازنات الردع في الشرق الأوسط الأوسع.

بمنظور استراتيجي أعمق، ما نعيشه اليوم هو لحظة اختبار لمعادلة الردع العالمية نفسها، فنجاح إيران في تجاوز هذه المرحلة سيشكل سابقة تغري قوى أخرى بانتهاج المسار ذاته؛ ما يهدد بسباق نووي إقليمي وربما عالمي، أما فشلها فسيعني دخول المنطقة في مرحلة صدام مباشر أو حروب ظل طويلة الأمد، حيث تستخدم الضربات السيبرانية، الهجمات غير المتكافئة، والحروب بالوكالة كبدائل للمواجهة الشاملة، بكلمات أخرى، الأزمة الإيرانية لم تعد مجرد ملف نووي، إنها مرآة لأزمة أوسع في النظام الدولي ولقدرة القوى الكبرى على إدارة توازنات جديدة دون الانزلاق نحو الفوضى.

برأيك ما السيناريو القادم المتوقع .. تصعيد أم تهدئة ؟

السيناريو المقبل يبدو محكوما بمنطق "التصعيد المحسوب" أكثر من الذهاب إلى تهدئة شاملة أو مواجهة كبرى، فالأطراف المعنية، سواء واشنطن أو طهران أو القوى الأوروبية، تدرك أن كلفة الحرب المباشرة ستكون مدمرة، في حين أن التراجع الكامل نحو التهدئة يفرغ الجميع من أوراق الضغط، لذلك ستستمر إيران في رفع مستوى تخصيب اليورانيوم والاقتراب من العتبة النووية دون إعلان امتلاك السلاح، بينما ستعتمد الولايات المتحدة والغرب على العقوبات الاقتصادية والضغط الدبلوماسي مقرونا بعمليات ردع غير مباشرة، بما يحافظ على التوتر في مستوى يمكن التحكم فيه.

دبلوماسيا، من المرجح أن تستمر المفاوضات غير الرسمية عبر قنوات خلفية، بدعم من أطراف وسيطة، مع بعض المحاولات الأوروبية لإحياء خطوط الحوار، لكن غياب الثقة المتبادلة سيجعل أي اتفاق شامل بعيد المنال في المدى القريب، ما يمكن أن يحدث هو تفاهمات جزئية أو مؤقتة تسمح بتجنب الانفجار الكامل، مثل تجميد مستويات التخصيب مقابل تخفيف محدود للعقوبات، وهي صيغة أقرب إلى "إدارة أزمة" أكثر من "حل أزمة".

القراءة الاستراتيجية تشير إلى أن الوضع مرشح للاستمرار في حالة "هدوء متوتر" قد يطول لسنوات، حيث التصعيد يظل ورقة تفاوضية والتهدئة تبقى رهينة تنازلات صعبة لم تتضح بعد ملامحها، الأخطر هو أن أي خطأ في الحسابات، سواء عبر هجوم بالوكالة أو استهداف لمصالح أمريكية في المنطقة، قد يدفع الأطراف إلى حافة مواجهة عسكرية محدودة، لكنها ستبقى مضبوطة بسقف عدم الانجرار إلى حرب شاملة بمعنى آخر، التصعيد سيبقى هو القاعدة، والتهدئة مجرد استثناء ظرفي تفرضه لحظة ضغط قصوى.

هل إيران قادرة على تحمل تفعيل آلية الزناد في ظل العقوبات المفروضة عليها في الأساس؟

إيران تستطيع امتصاص جزء من صدمة تفعيل آلية الزناد، لكن ذلك لن يتم من دون أثمان باهظة داخليا وخارجيا، فمنذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي سنة 2018، تعايشت طهران مع منظومة عقوبات أمريكية مشددة، وحاولت تكييف اقتصادها نحو الاكتفاء الذاتي النسبي، مع توجيه مواردها نحو الصناعات المحلية وتعزيز التهريب والالتفاف على منظومة الدولار عبر شبكات معقدة، غير أن إعادة فرض عقوبات أممية شاملة عبر آلية الزناد سيعيد إيران إلى عزلة أكبر، حيث سيتعذر عليها استخدام منافذها مع أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية؛ ما يعني تراجعا حادا في قدراتها على استقطاب التكنولوجيا والاستثمارات.

استراتيجياً، إيران تمتلك خبرة في تحويل الضغوط إلى أوراق تفاوضية، وستسعى إلى استثمار عودة العقوبات الأممية في خطابها الداخلي والخارجي باعتبارها دليلاً على "عدائية الغرب" ومحاولة إخضاعها. هذا يمنحها فرصة لتعزيز سردية الصمود، لكنه يضغط في المقابل على اقتصادها المنهك، ويرفع كلفة إدارة المجتمع عبر الدعم المباشر والقمع السياسي. بكلمات أخرى، طهران تستطيع الصمود زمنياً في ظل آلية الزناد، لكنها ستفعل ذلك على حساب النمو الاقتصادي، الاستقرار الاجتماعي، وربما على حساب توسيع دائرة المواجهات بالوكالة لتخفيف الضغط المباشر عنها.

هل من الممكن أن تتجدد المفاوضات مرة أخرى وما الذي يقبله الغرب من طهران لتجديد المفاوضات بتعليق العقوبات؟

إمكانية تجدد المفاوضات تبقى قائمة، لكنها لن تأتي في صيغة شاملة كالتي عرفناها مع الاتفاق النووي لعام 2015، بل أقرب إلى تفاهمات جزئية ومؤقتة، الغرب يدرك أن إسقاط العقوبات بالكامل لم يعد مطروحا، كما أن إيران لم تعد مستعدة لتقديم تنازلات عميقة في برنامجها النووي بعد أن اقتربت تقنيا من العتبة، لذلك فالمسار الأكثر ترجيحا هو العودة إلى "اتفاق الحد الأدنى" وهو وقف أو تجميد مستويات التخصيب العليا مقابل رفع جزئي للعقوبات التي تمس مباشرة المعاملات المالية وصادرات النفط، أي مقايضة بين الاستقرار النووي والحد الأدنى من الأكسجين الاقتصادي.

أخبار ذات علاقة

النائب الإيراني محسن بيغلري

برلماني إيراني لـ"إرم نيوز": "آلية الزناد" ستضاعف الضغوط الاقتصادية على طهران

 ما يقبله الغرب من طهران لا يقتصر على الجانب النووي، بل يمتد إلى ملفات السلوك الإقليمي، واشنطن وعواصم أوروبية تريد ضمانات لتقليص دعم إيران للفصائل المسلحة في العراق ولبنان واليمن، وضبط هجماتها بالوكالة ضد مصالح أمريكية أو إسرائيلية في المنطقة، صحيح أن الغرب لا يتوقع من طهران التخلي عن سياستها التوسعية بالكامل، لكنه يراهن على تفاهمات تكبح حدة التصعيد وتعيد رسم خطوط حمراء متفق عليها، وهذه الجزئية ستكون شرطا ملازما لأي تعليق مؤقت للعقوبات.

أعتقد أن الغرب يبحث عن صيغة "تجميد مقابل تجميد" أي تجميد خطوات إيران نحو السلاح النووي مقابل تجميد بعض العقوبات الأكثر إيلاما، خصوصا تلك المرتبطة بالنفط والقطاع المصرفي، غير أن نجاح هذا المسار مرتبط بمدى استعداد طهران لقبول مراقبة دولية أكثر صرامة، وهو ما تعتبره مساسا بسيادتها، المفاوضات قد تتجدد، لكن سقفها سيكون محدودا بغرض منع الانفجار لا أكثر، لا التوصل إلى تسوية نهائية للصراع، وبذلك تتحول العملية التفاوضية من أداة لحل الأزمة إلى أداة لإدارتها على المدى الطويل.

أحاديث كثيرة عن أن الكتلة التي تشكلها روسيا والصين سيكون لها دور في دعم إيران لمواجهة العقوبات ولكن يكون بشكل خفي؟

طهران تراهن على حماية سياسية من روسيا والصين، اللتين ترفضان مبدئيا الانخراط في العقوبات الغربية، لكن تفعيل آلية الزناد يضع هاتين القوتين في موقف حرج؛ لأن الالتزام بقرارات مجلس الأمن سيكون اختبارا لمصداقيتهما كقوى عظمى مسؤولة، بينما تجاهل تلك القرارات سيعني تحديا مباشرا للبنية القانونية للنظام الدولي، لذلك قد تلجأ موسكو وبكين إلى حلول وسط، مثل استمرار التعاون الاقتصادي غير المعلن، وتوسيع آليات الدفع بالعملات المحلية، لكن دون كسر السقف الأممي علنا، وهو ما سيبقي إيران في منطقة رمادية بين العزلة والانفتاح المحدود.

كيف ترى أن فرض آلية الزناد هي محطة لوصول قادم بحرب إسرائيلية جديدة بمعاونة أمريكية للقضاء على البرنامج النووي نهائيا؟

فرض آلية الزناد لا يحوّل المسار تلقائيا إلى باب حرب حتمية، لكنه يغير حسابات القوى ويقلص المساحات الدبلوماسية المتاحة، إعادة تفعيل العقوبات الأممية تضغط عمليا على طهران وتضيق منافذها المالية والتقنية؛ ما يرفع من حدة الاستفزازات المتبادلة ويزيد من احتمال ردود فعل عسكرية محدودة أو هجينة، ومع ذلك، فإن التدرج من سياسة عقوبات إلى قرار شن حرب شاملة يتطلب قفزات سياسية واستراتيجية كبيرة، وليس مجرد رغبة إسرائيلية أو قرار أوروبي؛ لأن تكلفة مهاجمة منشآت نووية متمدنة ستكون هائلة على مستوى الخسائر البشرية، الانتشار الإقليمي، وسلاسل الإمداد العالمية.

إسرائيل تملك تاريخا من الضربات الاستباقية ضد قدرات نووية إقليمية، ولها الخيارات العملية لشن هجوم جوي واسع، لكنها لا تعمل في فراغ حيث تحتاج إلى استخبارات دقيقة، قدرة لوجستية على مدى بعيد، وتقدير لحجم الأهداف، وكلها أمور أظهرتها تحليلات مراكز الأبحاث بعد الضربات الماضية، علاوة على ذلك، فنجاح هجوم لن يقاس فقط بضرب المعامل بل بقدرته على تعطيل شبكات الدعم والقدرة الإيرانية على الانتعاش أو الانتقام عبر وكلاء إقليميين، وبالتالي فقد تنفذ إسرائيل ضربات انتقائية إضافية أو حملة استنزاف بالوكالة قبل أن تلجأ إلى خيار كامل لتدمير البرنامج.

أخبار ذات علاقة

البرلمان الإيراني

إيران.. مطلب نيابي بطرد سفراء "الترويكا" الأوروبية بعد تفعيل "آلية الزناد"

 دور واشنطن حاسم، فالدعم الأمريكي يمكن أن يجعل أي عملية إسرائيلية أكثر قابلية للتنفيذ من الناحية العسكرية والسياسية، لكن الولايات المتحدة تواجه حساسية داخلية ودولية عالية تجاه تدخل عسكري مباشر قد يؤدي إلى مواجهة إقليمية أوسع، وصيغ الدعم المتوقعة أقرب إلى حصص استخباراتية، تغطية دبلوماسية، وقيود على قدرة إيران على الرد وليس بالضرورة مشاركة في ضربات تدميرية شاملة؛ لأن الولايات المتحدة ستزن مخاطر الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع طهران أو مع حلفائها الإقليميين قبل أن تمنح موافقتها الكاملة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC