مقتل 8 أشخاص بغارات أمريكية على 3 مراكب في شرق المحيط الهادئ

logo
العالم

حرب الكابلات والممرات البحرية.. الناتو يعيد رسم جبهاته القتالية

قوات لحلف الناتوالمصدر: أ ف ب

كشف حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن استراتيجيته البحرية الجديدة في نوفمبر 2025، لتكون أول مراجعة شاملة منذ عام 2011، في وقتٍ يشهد تصاعدًا في المنافسة بين القوى الكبرى وتحديات غير مسبوقة في المجال البحري. 

ورغم الطابع المؤسسي لهذه الوثائق عادةً، إلا أن النص الجديد يعبّر عن إحساس ملحّ بالأزمة والتحول، واضعًا الأساس لاستراتيجية قتالٍ بحري شاملة تتجاوز منطق الردع إلى الجاهزية الدائمة والقدرة على الانتصار.

إعادة تعريف المجال البحري

وبحسب صحيفة "يوراسيا ريفيو"، تُدرك الاستراتيجية أن المحيطات لم تعد مجالات محايدة للتجارة والاتصال، بل أصبحت نقاط ضغط استراتيجية تشمل الممرات الملاحية، الكابلات البحرية، خطوط الأنابيب والموانئ. 

ومن هذا المنطلق، يسعى الناتو إلى بناء شبكة بحرية مترابطة تدمج القدرات العسكرية والصناعية والتكنولوجية ضمن نظام متكامل للردع وخوض الحروب على نطاق واسع.

أخبار ذات علاقة

بالونات التهريب من بيلاروسيا

بالونات التهريب من بيلاروسيا.. "حرب هجينة" جديدة على حدود "الناتو"

ترتكز الرؤية الجديدة على أربع ركائز أساسية تشمل الجاهزية العملياتية الدائمة والتعبئة السريعة للأساطيل، والتفوق التكنولوجي من خلال الذكاء الاصطناعي والأنظمة غير المأهولة. 

كما تركز على حماية خطوط الاتصال والبنية التحتية البحرية، وتعزيز القدرة على تحقيق النصر في الصراعات وليس الاكتفاء بسياسة الردع.

ويمثل هذا التحول نقلة من سياسة الردع السلبي إلى الردع بالقدرة الفعلية على القتال، في إدراك واضح بأن الهيمنة البحرية الغربية لم تعد مضمونة كما كانت بعد الحرب الباردة.

المشهد البحري والتهديدات الجديدة

ترسم الوثيقة صورة دقيقة للمخاطر البحرية العالمية، وتضع روسيا في صدارة التهديدات المباشرة عبر تحديث أساطيلها وأنشطتها الهجينة الممتدة من المحيط الأطلسي إلى البحر الأسود والقطب الشمالي. 

وتشير الاستراتيجية إلى تكتيكات موسكو في استخدام "الأساطيل الخفية" والغواصات المتقدمة كسلوك عدواني يتطلب مواجهة مباشرة.

وتُدرج الوثيقة الصين كقوة منهجية منافسة تسعى لإعادة تشكيل النظام البحري العالمي من خلال توسعها في المحيطين الهادئ والهندي وشراكتها "اللامحدودة" مع روسيا.

أخبار ذات علاقة

قوات لحلف الناتو

برلين على خط النار .. ألمانيا في قلب مواجهة محتملة بين الناتو وموسكو

كما تُبرز التهديدات غير التقليدية مثل الإرهاب والقرصنة وعمليات التهريب والهجمات على البنى التحتية الحيوية، إضافةً إلى الدور المزعزع لإيران وشبكات وكلائها.

إلى جانب التهديدات الأمنية، تُعامل الاستراتيجية تغير المناخ والتقنيات الناشئة كقوى استراتيجية جديدة. فذوبان الجليد في القطب الشمالي يفتح طرقًا بحرية جديدة ومنافسات إضافية، بينما تعيد التقنيات المتقدمة – من الصواريخ الأسرع من الصوت إلى الذكاء الاصطناعي – تشكيل طبيعة الصراع البحري فوق وتحت سطح البحر.

تُعيد الاستراتيجية صياغة دور الناتو البحري ضمن مهامه الثلاث التقليدية: الردع والدفاع، إدارة الأزمات، والأمن التعاوني.

في الردع والدفاع: يُشدد الحلف على أهمية القوة الصلبة، مؤكدًا أن القوات البحرية هي النسيج الرابط بين القدرات النووية والتقليدية والسيبرانية. 

وتُبرز الوثيقة ضرورة السيطرة على المساحات البحرية وحماية البنية التحتية تحت الماء، مع تطوير "رؤية رقمية للمحيط" تتيح وعيًا موقعيًا لحظيًا وشاملًا.

في إدارة الأزمات: تحتفظ القوات البحرية بمرونتها التقليدية في تنفيذ عمليات الإغاثة، مكافحة القرصنة، والعمليات البرمائية، ما يجعلها الأداة الأكثر تنوعًا في جميع مراحل السلم والنزاع.

في الأمن التعاوني: تؤكد الاستراتيجية على البعد الدبلوماسي للقوة البحرية، من خلال تعزيز الشراكات مع الدول غير الأعضاء، والتعاون مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لضمان نظام بحري قائم على القواعد.

من الرؤية إلى التنفيذ

تُحدد الوثيقة جدولًا عمليًا صارمًا لتطبيق الرؤية الجديدة، يقوم على رفع الجاهزية وتحديث الأساطيل وتحسين سلاسل الإمداد والصيانة. 

وتدعو الدول الأعضاء إلى الاستثمار في القدرات الصناعية والدفاعية المشتركة، وضمان وجود قوات بحرية دائمة مجهزة بالكامل، تعمل كرادع عملي ومنصة لاختبار الابتكارات.

أخبار ذات علاقة

مناورات سابقة للناتو في ألمانيا

ألمانيا "القاعدة المركزية".. الناتو يحشد 800 ألف جندي لمواجهة روسيا

وتولي الاستراتيجية اهتمامًا خاصًا لحماية البنية التحتية تحت البحر بعد سلسلة من الحوادث في بحر البلطيق وبحر الشمال، مطالبة بتعاون وثيق بين الحكومات والقطاع الخاص لتعزيز الأمن البحري. 

كما تُبرز أهمية التحول الرقمي الكامل، عبر دمج البيانات وأجهزة الاستشعار والمنصات في منظومة واحدة لتحسين سرعة القرار ودقته في بيئة العمليات.

وتؤكد الوثيقة أن الجاهزية البحرية لا تنفصل عن الجاهزية الصناعية، داعيةً إلى توطيد التعاون عبر الأطلسي في الإنتاج الدفاعي والتمويل المشترك وبناء مخزونات من الذخائر الحيوية، لضمان استمرارية الردع بعد أي هجوم أولي.

نقاط القوة والتحديات

تُعدّ الاستراتيجية الجديدة الأكثر شمولًا وتركيزًا على القتال منذ نهاية الحرب الباردة؛ فهي تُحوّل نهج الحلف من الطمأنينة التعاونية إلى المواجهة الاستراتيجية، محددةً تسلسلًا واضحًا للتهديدات (روسيا أولًا، ثم الصين، فالإرهاب والجهات غير الحكومية).

كما تدمج التقنيات الناشئة في صميم التفكير العملياتي، وتُبرز أهمية حماية البنية التحتية تحت الماء والتعبئة الصناعية كجزء من الردع الشامل.

أخبار ذات علاقة

مارك روته، الأمين العام لحلف الناتو

"الناتو": لدينا ثقة مطلقة في مصداقية الردع النووي لمواجهة روسيا

مع ذلك، تواجه الوثيقة تحديات جوهرية. فليس جميع الأعضاء يمتلكون القدرات الصناعية أو المالية لتحقيق التكافؤ المطلوب، كما أن التعاون مع القطاع الخاص ما زال طموحًا دون آليات تنفيذية واضحة.

ويظل التوازن بين مهام الردع الكبرى وواجبات الأمن البحري اليومية – مثل مكافحة الهجرة والقرصنة – مسألة معقدة؛ أما السؤال الأبرز فيبقى مدى التزام الولايات المتحدة بدعم الناتو بحريًا في حال اندلاع مواجهة مباشرة مع روسيا.

تمثل الاستراتيجية البحرية الجديدة للناتو عودة إلى أسس القوة الصلبة، مقرونةً برؤية رقمية وصناعية متقدمة. إنها إعلان عن أن المحيطات باتت ساحة الصراع المقبلة، وأن السيطرة عليها تعني الحفاظ على أمن وازدهار الحلف.

نجاح هذه الرؤية لن يُقاس بالبيانات الرسمية، بل بقدرة الحلف على تنفيذها ميدانيًا: في التدريب، والتسليح، وتنسيق الاستحواذ الصناعي، والاستعداد للقتال في أي لحظة. وكما اختتمت الوثيقة: "ستظل القوات البحرية لحلف شمال الأطلسي في حالة تأهب، مستعدة للقتال – الليلة وغدًا".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC