logo
العالم

بالونات التهريب من بيلاروسيا.. "حرب هجينة" جديدة على حدود "الناتو"

بالونات التهريب من بيلاروسيا

قال خبراء في العلاقات الدولية إن "البالونات الهوائية" المنطلقة من بيلاروسيا إلى ليتوانيا، تندرج ضمن منظومة "الحروب الهجينة" التي دأبت مينسك على اعتمادها منذ اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تسعى دائمًا إلى إلهاء دول الاتحاد الأوروبي وأعضاء الحلف الأطلسي بأزمات داخلية تربك الحسابات وتخلط الأوراق وتشغلهم نسبيًّا عن الحرب ضد روسيا.

واخترقت مؤخرًا عشرات البالونات الضخمة والمناطيد الهوائية الساخنة القادمة من بيلاروسيا الأجواء الليتوانية؛ ما أحدث أزمة كبيرة في حركة النقل الجوي المدني.

أخبار ذات علاقة

الرئيسان الروسي والبيلاروسي

"ردع جديد".. تكامل عسكري بين روسيا وبيلاروسيا لمواجهة "الناتو"

 وأكدت السلطات الليتوانية أن البالونات الضخمة تحتوي على سجائر مهرَّبة، متهمة النظام البيلاروسي بإطلاقها إما لنقل البضائع المهرَّبة أو لتعطيل الحركة الجوية، ولا سيّما أن الإطلاق يكون بالقرب من مطار "فيلنيوس".

وذكرت تقارير إعلامية ليتوانية أن تهريب السجائر عبر البالونات الضخمة أفضى إلى تأخير أكثر من 40 رحلة جوية، وتأثر أكثر من 6 آلاف مسافر، وذلك بعد إغلاق مطاري "فيلنيوس" و"كاوناس" ثلاث مرات متتالية.

 ويُذكر أن ليتوانيا أقدمت على إغلاق مطار "فيلنيوس" أمام الرحلات الجوية أيام 5 و21 و25 من شهر أكتوبر الماضي، جراء إطلاق البالونات الهوائية.

ليتوانيا تصعّد ضد "الجارة الجائرة"

في الأثناء، اتخذت ليتوانيا العديد من القرارات التصعيدية ضد بيلاروسيا، التي تصفها بـ"الجارة التي لا تربطها بها علاقة ودية ولا تبذل أي جهد لمعالجة المشكلة".

 فقد مدّدت – موفّى الشهر الماضي تحديدًا في الـ29 من تشرين الأول – قرار إغلاق معبريها الحدوديين مع بيلاروسيا لمدة شهر كامل، مع استثناء مشدّد لفائدة بعض المواطنين الليتوانيين وبعض مواطني الاتحاد الأوروبي، وللروس الحاصلين على تصاريح عبور تخوّلهم السفر إلى "كالينينغراد".

من جانبها، قالت رئيسة الوزراء الليتوانية إنغريدا شيمونيتي إن إغلاق الحدود إلى موعد غير محدد "يرسل إشارة واضحة إلى بيلاروسيا بأنه لا يمكن التسامح مع أي هجوم هجيني، وسنتخذ أقصى قدر ممكن من الصرامة لوقف مثل هذه الإجراءات".

 من جهتهم، اتهم مسؤولون ليتوانيون آخرون بيلاروسيا بالوقوف وراء المناطيد بقصد تصعيد حركة الطيران والإضرار بالملاحة الجوية الليتوانية، واصفين إياها بـ"الجارة الجائرة التي لا تربطنا بها علاقة ودية".

بولندا تنضم

من جهتها، انضمت بولندا إلى هذا التصعيد الليتواني، من خلال إغلاق معابرها البرية الحدودية مع بيلاروسيا، حيث أشار نائب وزير الداخلية والإدارة تشيسواف مروتشك إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار التنسيق الأمني الثنائي مع ليتوانيا لمواجهة التهديدات الهجينة القادمة من بيلاروسيا.

في المقابل، لم يتأخر الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في الرد على الخطوات الليتوانية، مستغلًا مؤتمر مينسك الدولي الثالث حول أمن أوراسيا لتوجيه رسائل سياسية وإستراتيجية لمينسك.

 ووصف لوكاشينكو رد الفعل الليتواني بالمبالغ فيه، وبأنه مقامرة مجنونة، معتبرًا الأمر "تهريبًا عاديًّا لا يستحق هذه الجلبة".

 

 وقال في هذا السياق: "حتى بالنسبة لدولة صغيرة في الاتحاد الأوروبي، مثل: ليتوانيا، يُعدّ رد الفعل هذا غامضًا ومبالغًا فيه، فنحن لا نتحدث عن تهريب غير عادي".

وتمتد الحدود البيلاروسية على خمس دول، منها ثلاث تتبع الاتحاد الأوروبي وهي لاتفيا (170 كيلومترًا) وليتوانيا (639 كيلومترًا) وبولندا (417 كيلومترًا)، إضافة إلى روسيا (1311 كيلومترًا) وأوكرانيا (1110 كيلومترات).

أكثر من تهريب سجائر

حيال هذا المشهد، يؤكد الخبراء والمتابعون للشأن البيلاروسي أن الأمر أكثر تعقيدًا من مجرد تهريب سجائر عبر الحدود البرية أو الجوية، معتبرين أن مينسك، التي تُعد الحليف الأبرز – وربما الوحيد – لروسيا في المنطقة، تسعى دائمًا إلى خلط الأوراق في فضاء البلطيق (إستونيا، لاتفيا، وليتوانيا)، الذي تمثل دوله الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي على حد سواء.

ووفقًا للخبراء، فإن المناطيد البيلاروسية تندرج ضمن سياق إستراتيجي ثلاثي الأضلاع:

 الضلع الأول متصل بفلسفة الأمن والردع الروسي البيلاروسي.

 والضلع الثاني متعلق بـ"الحروب الهجينة".

 والضلع الثالث مرتبط بـ"العلاقات السياسية المتأزمة جدًّا بين بيلاروسيا وليتوانيا".

أما فيما يُعرف بـ"العقيدة الأمنية الروسية البيلاروسية"، فمن الواضح أن التقارب بين البلدين تكرّس خلال الفترة الأخيرة بعد التطابق في وجهات النظر حيال الحرب في أوكرانيا، والدعم السياسي واللوجستي والعسكري الذي تقدمه مينسك لموسكو في حربها المستمرة منذ فبراير 2022.

"زاباد 2025"

ويعتبر الخبراء أن المناورات الروسية البيلاروسية "زاباد 2025"، التي جرت في نهاية سبتمبر الماضي، كانت رسالة واضحة عن حجم التحالف الإستراتيجي والعسكري بين البلدين، إذ شهدت مشاركة 100 ألف عسكري، وجرت في 41 ميدان اختبار، وتم خلالها استخدام 10 آلاف نظام سلاح وتجهيزات عسكرية.

 وصادق الرئيس بوتين على التحالف الثنائي بين البلدين، مشيرًا إلى أن هدف المناورات هو وضع كل العناصر الضرورية للدفاع عن السيادة والسلامة الإقليمية والحماية من أي عدوان، وتجذير التحالف بين روسيا وبيلاروسيا.

وقد زادت هذه المناورات من القلق الليتواني، حيث تشير التقديرات العسكرية في فيلنيوس إلى أن فرضية انخراط روسيا في غزو شامل ضد ليتوانيا تبقى قائمة بقوة، وأن أي حسم عسكري في أوكرانيا وفق الشروط الروسية قد يزيد احتمال الحرب على الجبهة البلطيقية.

الحرب الهجينة

في خضم هذا المشهد، يرى الخبراء أن المناطيد ذات غاية استخباراتية وتجسسية صرفة، تهدف إلى مراقبة التحركات العسكرية للبيلاروسيين وللقوات الأطلسية، لتكون مكملة لمهام الطائرات الروسية التي اخترقت المجالات الجوية لدول البلطيق وألمانيا وغيرها من دول الجوار الروسي.

ويرى آخرون أن فرضية التجسس لا تلغي فرضية التهريب، بل تتكاملان في "الاختراق" البيلاروسي لدولة أوروبية أطلسية.

أما بالنسبة للضلع الثاني والمتمثل في "الحرب الهجينة" التي تعلنها بيلاروسيا على دولة أوروبية أطلسية، فإن "المناطيد" تندرج ضمن إستراتيجية أوسع تهدف إلى استهداف "الحدود البرية والجوية" للاتحاد الأوروبي، والحيلولة دون تفرغ الأخير للحرب في أوكرانيا.

ويعتبر الخبراء أن المناطيد المخترقة للحدود الليتوانية هي خطوة بيلاروسية لجعل حدود التكتل الأوروبي حدودًا دائمة الاضطراب والاشتعال.

 ويضيفون أن تكتيك البالونات يمثل الحلقة الثانية من مسلسل "إشعال الحدود الأوروبية"، الذي بدأ باستغلال المهاجرين غير النظاميين القادمين من بؤر التوتر والراغبين في دخول الاتحاد الأوروبي.

وتؤكد تقارير المنظمات الدولية المعنية بالهجرة أن بيلاروسيا لعبت دورًا سلبيًّا في هذا الملف، إذ لم تقم بواجباتها القانونية والإنسانية تجاه المهاجرين، وسجّلت حالات دعم وتحريض رسمي على اختراق الحدود الأوروبية، فضلًا عن ممارسة التعذيب بحق المهاجرين الذين يُعادون إلى أراضيها.

ورغم صعوبة التحقق من مدى صحة هذه التقارير، فإن توظيف معاناة المهاجرين لإحراج التكتل الأوروبي واستدرار الدعم المالي من المنظمات الدولية كان نهجًا اعتمدته بضع دول، أبرزها تركيا وأرمينيا، وقد تكون بيلاروسيا سارت على النهج ذاته.

علاقات سياسية متأزمة

أما الضلع الثالث، فيرتبط بالعلاقات البيلاروسية الليتوانية التي يمكن وصفها بالمتدهورة، لأسباب عدة، أبرزها اختلاف التحالفات الإستراتيجية، ففي حين اختارت بيلاروسيا التحالف مع روسيا، انخرطت ليتوانيا في التكتل الأوروبي الأطلسي.

ويرى الخبراء أن الهوة بين البلدين لم تقف عند حدود التحالفات الكبرى، بل ازدادت اتساعًا مع لجوء عدد من المعارضين السياسيين البيلاروسيين إلى ليتوانيا، وعلى رأسهم المرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية عام 2020 سفيتلانا تيخانوفسكايا، إضافة إلى عدد من المعارضين الآخرين.

وبناءً على ما سبق، فإن المناطيد البيلاروسية تمثل رأس جبل الجليد الظاهر لعلاقات سياسية وإستراتيجية شديدة التأزم بين البلدين الجارين.

 وفي المحصلة، تعكس "بالونات التهريب" حجم التباين بين البلدين، ومستوى التأزم القائم في المنطقة، وحالة التوتر الإقليمي، وهي حالة قد تفضي إلى الانفجار في أي لحظة.

 

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC