رأى خبراء أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه تغيير اسم وزارة الدفاع "البنتاغون" إلى "وزارة الحرب"، يحمل عدة توجهات، من بينها العودة إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، من خلال إقامة تحالفات أوسع وصراعات أعمق وربما أكثر شمولية، إضافة إلى العمل على قيادة مجابهات عسكرية مع قوى كبرى أخرى، في صدارتها الصين وروسيا.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن هذا التوجه يكشف عن احتمالية وجود خطط لاستخدام القوة العسكرية في فتح معارك جديدة من جانب ترامب، سواء لتقويض الجبهة الداخلية الأمريكية أم لإيصال رسالة للخارج بأن العصر القادم سيظل كما مثله للولايات المتحدة، قائماً على السيطرة والهيمنة.
وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تعتزم تغيير اسم وزارة الدفاع إلى "وزارة الحرب"، في خطوة تهدف إلى إعادة إحياء المسمى الذي استخدم آخر مرة عام 1947، حيث نقلت الصحيفة عن مسؤول في البيت الأبيض أن تنفيذ القرار يتطلب تشريعاً من الكونغرس، لكن الإدارة تدرس بدائل أخرى لإجراء التغيير.
وأضاف المسؤول أن البنتاغون بدأ منذ الأسابيع الأولى من الولاية الثانية لترامب إعداد مقترحات تشريعية لإعادة التسمية، من بينها ربط التغيير بحالة طوارئ وطنية وإحياء لقب "وزير الحرب" لأكبر مسؤول مدني في الوزارة.
ويرى المختص في الشؤون الأمريكية، الدكتور خالد شيات، أن العودة من تسمية "وزارة الدفاع" إلى "وزارة الحرب" تعكس رؤية ترامب، إذ يعتقد أن الولايات المتحدة حققت انتصارات أكبر عندما كانت تحمل هذا الاسم. وهذا صحيح إذا نظرنا إلى تدخل واشنطن في الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث كان ذلك حاسماً لصالح القوى التي وقفت بجانبها.
وأوضح شيات في حديثه لـ"إرم نيوز" أن "وزارة الحرب" كان الاسم الذي يحمله "البنتاغون" قبل الحرب العالمية الثانية وحتى بعدها مباشرة، قبل أن يدخل العالم في مسار جديد ضمن إطار الأمم المتحدة وتعزيز السلام الدولي.
ولفت إلى أنه عندما يطرح ترامب اليوم فكرة إعادة التسمية، فهذا لا يعني أن واشنطن لم تعد تتدخل؛ فهي بالفعل تمارس التدخل منذ الحرب الباردة. صحيح أن هناك أدوات للتوازن على المستوى الدولي، لكن الولايات المتحدة لم تعد دولة تكتفي بمجالها الاستراتيجي، بل أصبحت قوة تدخلية في النظام العالمي.
أما العودة إلى اسم "وزارة الحرب"، بحسب شيات، فهي أيضاً مرتبطة بالتصورات الأمريكية تجاه عالم متعدد الأقطاب يشبه إلى حد ما النظام الدولي الذي سبق الحرب العالمية الثانية، ما قد يعني الاستعداد لتحالفات أوسع وصراعات أعمق وربما أكثر شمولية، وهو ما يتوافق مع بعض الاستعدادات الفرنسية مثل توجيه المستشفيات للاستعداد لاستقبال جرحى أكثر في حال اندلاع مواجهات واسعة.
وبيّن شيات أن هذا التوجه يعكس محاولة للتكيف مع عالم تتضارب فيه المصالح الدولية وقد يقود إلى مجابهات عسكرية مع قوى كبرى مثل الصين وروسيا. أما على المستوى الداخلي، فهناك عملية تشريعية مرتبطة بتغيير اسم الوزارة.
وتابع أن ترامب قد يحاول تمرير تغيير الاسم بوسائل غير تقليدية أو خارج الأطر القانونية والبرلمانية، لكن الأمر قد يواجه عقبات إذا عاد إلى الكونغرس. ومع ذلك، قد يجد ترامب آلية بديلة لفرض هذا التغيير، وهو ما يحمل دلالات سياسية كبيرة.
بدوره، يقول الخبير الاستراتيجي والعسكري الدكتور محمد يوسف النور إن اسم "وزارة الحرب" بدلاً من "وزارة الدفاع" في الولايات المتحدة كان معتمداً قبل عام 1947، حيث جرى تغييره بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واستقرار الأوضاع الدولية وتقاسم النفوذ بين القوى الكبرى.
ويعتقد النور في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن هذا التوجه يعكس فائض الشعور بالقوة الذي يسيطر على ترامب، ويرسل رسائل مزدوجة إلى الداخل الأمريكي الذي يعاني من عدم انسجام مع السياسات الحالية، وإلى الخارج أيضاً، في إطار نزعة التعالي والتفوق التي يتعامل بها مع مؤيديه أو معارضيه في الداخل، وكذلك مع حلفائه وخصومه في الخارج.
وأشار إلى أن علاقات ترامب تتسم بعدم التوازن والثبات، وأنه كثيراً ما يتخذ قرارات متهورة تثير تساؤلات المشرعين الأمريكيين. ورغم أن بعض تصريحاته لا تؤخذ على محمل الجد، فإنه فعلًا يتصرف من منطلق شعوره المفرط بالقوة والسيطرة، ضمن عقليته وكاريزمته التي يفرضها على مفاصل إدارته وعلى قرارات الدولة، وكذلك في كيفية تعامله مع دول العالم.
وأضاف النور أنه ليس مستغرباً أن يفكر ترامب في إعادة تسمية وزارة الدفاع بـ"وزارة الحرب"، إذ قد ينسجم ذلك مع عقلية الهيمنة التي ما زالت تسيطر على السياسة الأمريكية، ومع حالة "النشوة" التي تعيشها إدارته الحالية والتي تستعيد عصر الحروب والانتصارات والتوسع. وربما يكشف ذلك عن وجود خطط لاستخدام القوة العسكرية في فتح معارك جديدة، سواء لتقويض الجبهة الداخلية الأمريكية أم لإيصال رسالة للخارج بأن العصر القادم سيظل كما مثله للولايات المتحدة، قائماً على السيطرة والهيمنة.
كما رجّح أن يكون ترامب قد استشار بعض "الصقور" في إدارته، ولا سيما كبار الضباط، وربما ناقش فكرة الدخول في حروب خارجية جديدة وهو على يقين بالنصر فيها.
وختم النور بالقول: ربما تكون هذه مجرد تصريحات عابرة كما اعتدنا من ترامب في الأشهر الأخيرة، وربما تكون توجهاً حقيقياً نحو التصعيد والهيمنة خارج الحدود الأمريكية، لكن في المقابل لا يمكن إغفال أن الرئيس الأمريكي يعلن دوماً سعيه إلى الاستقرار والسلام وحتى الفوز بجائزة نوبل للسلام.