في أعماق البحر، حيث لا صوت يعلو فوق ضجيج الغواصات النووية، تتكشف فصول جديدة من الحرب الباردة بين موسكو ولندن.
روسيا بدأت تصعيد تحركاتها الاستخباراتية لتصل إلى حد زرع أجهزة تنصت على غواصات نووية بريطانية، في واقعة تثير القلق وتعيد إلى الأذهان أيام التجسس المتبادل بين أجهزة الاستخبارات في البلدين.
ولا تتوقف التوترات عند الأجهزة المكتشفة، بل تتغذى على تصريحات نارية من الجانبين، إذ أعربت بريطانيا عن قلقها المتزايد من تصرفات موسكو، بعد رصد محاولات روسية للتنصت على تحركات الغواصات التي تحمل رؤوسًا نووية، وتهديد الكابلات العسكرية وكوابل الإنترنت تحت المحيطات.
وأكدت تقارير إعلامية أن البحرية الملكية البريطانية اكتشفت أجهزة تجسس روسية تُستخدم لمراقبة تحركات غواصاتها النووية في مياه المملكة المتحدة.
ودعا وزير الدفاع البريطاني السابق، توبياس إلوود، إلى توسيع قدرات البحرية لمواجهة "الحرب الرمادية" الروسية، التي تشمل التجسس والتخريب للبنية التحتية تحت البحر.
ومع هذا التصعيد المتبادل تحت سطح البحر، وتنامي الشكوك حول نوايا موسكو، يبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن أن تُشعل حرب التجسس تحت البحر مواجهة مباشرة بين البلدين؟
المحلل السياسي الخبير في الشؤون البريطانية، كايد عمر، قال إن العلاقات بين روسيا وبريطانيا تمرّ بأزمة حقيقية، في ظل تصاعد التوترات بسبب دعم لندن المستمر لأوكرانيا في الحرب الدائرة.
وأشار إلى أن موسكو تسعى للضغط على الحكومة البريطانية لتغيير سياساتها تجاه الأزمة الأوكرانية.
وأوضح عمر في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن من أبرز أدوات الضغط الروسية طرد دبلوماسيين من السفارة البريطانية في موسكو، فضلًا عن تقارير تشير إلى رصد أجهزة تنصت روسية على غواصات نووية بريطانية، وهو ما يُعد إشارة واضحة إلى أن روسيا ترصد بدقة تحركات القوة النووية البريطانية، في إطار رسائل ردع وتحذير واضحة.
وأكد أن هذا الأسلوب يعكس محاولة لإرباك الحكومة البريطانية، وإيصال رسالة بأن روسيا حاضرة في كل مكان، وأن أي تصعيد قد يؤدي إلى مواجهة أوسع، قد تأخذ طابع الضربات المتعددة في مناطق مختلفة حول العالم، في حال اندلاع حرب عالمية ثالثة.
وأضاف الخبير في الشؤون البريطانية، أن المملكة المتحدة تمتلك أربع غواصات قادرة على حمل رؤوس نووية، تكون إحداها في الخدمة في البحر بشكل دائم، وهو ما يفسر اهتمام روسيا بمتابعتها.
وأشار إلى وجود مخاوف أمنية حقيقية من احتمال استهداف روسيا للكابلات العسكرية وكوابل الإنترنت والبنية التحتية الحيوية الممتدة عبر المحيط الأطلسي وبحر البلطيق.
واعتبر أن هذه الممارسات تندرج ضمن ما يمكن وصفه بـ"حرب استخباراتية" أو "حرب تحت الماء"، وقد تمتد إلى مناطق جغرافية شديدة الحساسية مثل القطب الشمالي والمناطق الجليدية؛ ما يعيد أجواء الحرب الباردة بوسائل جديدة ومتطورة.
من جانبه، قال المحلل السياسي الخبير في الشؤون الروسية، الدكتور محمود الأفندي، إن العداء شكّل سمة دائمة للعلاقات بين البلدين حتى في فترات الانفراج النسبي، حيث استمر طرد الدبلوماسيين وعمليات التجسس دون توقف.
وأضاف المحلل السياسي في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن اكتشاف أجهزة تنصت روسية على غواصات نووية بريطانية لا يُعد مفاجئًا، إذ إن الطرفين يقومان بشكل متكرر بزرع أجهزة تجسس في مواقع عسكرية واستراتيجية حساسة.
وأكد أن هذا النمط من النشاط الاستخباراتي يعكس واقعًا من الصراع الدائم الذي لا يبدو أنه سينتهي قريبًا.
وأشار الأفندي إلى وجود خلل في أداء الاستخبارات البريطانية، التي تركز جهودها على زعزعة الاستقرار الداخلي في روسيا، وهو ما دفع موسكو أكثر من مرة لطرد دبلوماسيين بريطانيين بتهمة دعم المعارضة الروسية.
وأكد أن موسكو تنظر إلى مراقبة الغواصات البريطانية كجزء من استراتيجيتها الدفاعية في مواجهة التهديدات الغربية.
وشدد على أن حالة العداء التاريخي تعني أن اكتشاف شبكات تجسس وأجهزة مراقبة روسية سيظل أمرًا متكررًا، ولن تتغير هذه المعادلة حتى في حال حدوث تقارب دبلوماسي بين البلدين.
وقال إن الثقة غائبة بالكامل بين البلدين، وسيظل العداء سمة مميزة للعلاقة بين لندن وموسكو مهما تغيّرت الظروف السياسية.