خففت الولايات المتحدة العقوبات عن كيانات وأفراد مرتبطين بالمجلس العسكري الحاكم في ميانمار، رغم سجل النظام الدموي في قمع الحريات وارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، منذ انقلابه على الحكومة المنتخبة عام 2021، في خطوة وصفتها الأمم المتحدة بـ"الصادمة".
وشمل القرار الذي اتخذ في 24 يوليو/ تموز 2025 رفع العقوبات عن خمس شركات وأشخاص يُعتقد أنهم على صلة بتجارة الأسلحة التي تعزز آلة القمع العسكري في البلاد، ما أثار انتقادات حادة وتشكيكًا في التزام واشنطن بمواقفها المعلنة بشأن دعم الديمقراطية في جنوب شرق آسيا.
ووصف المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في ميانمار، الخطوة بأنها "صادمة"، واعتبرها تناقضًا صارخًا مع المسار الذي يفترض أن تسلكه الولايات المتحدة دعمًا لحقوق الإنسان.
ويرى مراقبون أن القرار يثير تساؤلات، إن كانت واشنطن تسعى لإعادة صياغة استراتيجيتها في المنطقة لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد، أم أن هناك حسابات أمنية واقتصادية تقف وراء هذا التراجع عن سياسة العزل.
ففي خضم السباق العالمي على السيطرة على هذه المعادن الأرضية، تصاعد الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين في منطقة جنوب وجنوب شرق آسيا، إذ تسعى كل من واشنطن وبكين إلى تأمين احتياطيات تلك المعادن التي تُستخدم في الصناعات الدفاعية، والإلكترونيات المتطورة، والطاقة المتجددة.
وتُعد ميانمار من أكبر منتجي هذه المعادن النادرة وموردًا رئيسًا للصين.
ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، تتحكم بكين في نحو 90% من عمليات معالجة هذه المعادن على مستوى العالم، وهو ما يمنحها ورقة ضغط قوية في ملفات التجارة والسياسة.
وخلال السنوات الماضية، استغلت بكين هيمنتها على سلسلة التوريد للضغط على إدارة ترامب خلال مفاوضات تجارية حساسة، ويبدو أن واشنطن باتت تسعى إلى فك هذا الاحتكار، من خلال تحويل وجهة إمدادات ميانمار من المعادن النادرة نحو شركاء جدد، مثل الهند واليابان، ضمن تحالف الرباعية المناهض للنفوذ الصيني في آسيا.
ووفقًا لتقارير نشرها موقع "الهند اليوم" ووكالة "رويترز"، تدرس إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيناريوهات معقدة للتعاون غير المباشر مع جهات فاعلة داخل ميانمار، بهدف تأمين الوصول إلى المعادن الأرضية النادرة.
وتشمل هذه السيناريوهات فتح قنوات اتصال مع جيش استقلال كاشين (KIA)، وهو من أبرز الجماعات المتمردة التي تسيطر على مناطق غنية بالمعادن، أو حتى الدخول في صفقات مباشرة مع المجلس العسكري، على الرغم من تاريخه القمعي وانتهاكاته المستمرة.
وتتضمن المقترحات المطروحة أيضًا خفض الرسوم الجمركية المفروضة على صادرات ميانمار، وتعيين مبعوث أمريكي خاص لمتابعة ملف المعادن النادرة، بل والتوسط لعقد اتفاق سلام بين الجيش والمتمردين يضمن الوصول الآمن إلى المناجم الحيوية.
من جهته، قدّم آدم كاستيو، الرئيس السابق لغرفة التجارة الأمريكية في ميانمار وأحد المستشارين الأمنيين، مقترحًا أمام مسؤولين أمريكيين يقضي بتشكيل تحالف ثلاثي بين واشنطن ونيودلهي ونايبيداو لاستغلال هذه الثروات.
وقال في تصريحات صحفية: "المتمردون سئموا من الاستغلال الصيني، وهم مستعدون للتعاون مع أمريكا إذا نالت مصالحهم الاعتراف الدولي".
في أواخر يوليو، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية رفع العقوبات المفروضة على شركات وأفراد مرتبطين بالمجلس العسكري في ميانمار.
ورغم تأكيد الوزارة أن القرار "فني ولا يحمل دلالة سياسية"، إلا أن مراقبين ربطوه برسالة شخصية وجّهها قائد الجيش، الجنرال مين أونغ هلاينغ، إلى الرئيس دونالد ترامب، عبّر فيها عن رغبة بلاده في فتح صفحة جديدة مع واشنطن، واقترح خلالها تخفيض الرسوم الجمركية الأمريكية على صادرات المعادن.
بالتزامن، طرح مستشارون مقربون من ترامب خطة لتعيين مبعوث خاص لإدارة ملف الموارد في ميانمار، والعمل على تنسيق أوسع مع حلفاء واشنطن في آسيا لاستخراج ومعالجة المعادن النادرة، في محاولة للحد من الهيمنة الصينية على سلاسل التوريد.
رغم هذه التحركات، واجه القرار الأمريكي انتقادات شديدة من منظمات حقوقية وهيئات أممية، من بينها "هيومن رايتس ووتش" ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، اللتان اعتبرتا أن تخفيف العقوبات دون شروط واضحة تتعلق باحترام حقوق الإنسان يمثل "رسالة خطيرة"، قد تُشجع الأنظمة القمعية على الإفلات من العقاب مقابل تقديم تنازلات اقتصادية أو استراتيجية.
كما حذّر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في ميانمار من أن السياسات الحالية "تقوّض جهود العدالة والمحاسبة"، خاصة في ظل استمرار الانتهاكات، بما في ذلك مقتل آلاف المدنيين واعتقال عشرات الآلاف منذ الانقلاب العسكري عام 2021.
وأضاف أن "المصالح الاقتصادية لا يجب أن تتقدم على القيم الديمقراطية".