logo
العالم

طموح اقتصادي يصطدم بتايلاند.. كمبوديا تبحث عن "معادلة النجاة" قبل 2030

جنود تايلنديون على الحدود مع كمبودياالمصدر: رويترز

في الوقت الذي تطمح فيه كمبوديا إلى تحقيق قفزة اقتصادية تضعها على عتبة الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع بحلول 2030، وجدت حكومة هون مانيت نفسها أمام معادلة معقدة؛ تنمية اقتصادية طموحة من جهة، ونزعة قومية متصاعدة تغذيها التوترات الحدودية مع تايلاند من جهة أخرى. 

وبينما حققت هذه الإستراتيجية مكاسب شعبية سريعة، فإن آثارها على المدى الطويل تبدو أكثر تكلفة مما توقعت الحكومة، بحسب مجلة " East Asia Forum".

منذ تولّيه الحكم عام 2023 خلفًا لوالده هون سين، جعل هون مانيت التنمية ركيزة شرعية لنظامه؛ غير أن تأجيج القومية، التي تصاعدت مع المواجهات الحدودية عام 2025، أثار أسئلة حول قدرة الحكومة على المواءمة بين الحشد السياسي والاستقرار الاقتصادي الضروري لنمو مستدام.

تنتمي حكومة هون مانيت بوضوح إلى نموذج التنموية الاستبدادية الذي يقيّد الحريات السياسية والصحفية والأكاديمية، ويستثمر في النمو الاقتصادي باعتباره أساس شرعية النظام. 

وتضع "الاستراتيجية البنتاغونية" أهدافًا كبرى للوصول إلى الدخل المتوسط المرتفع بحلول 2030 والدخل المرتفع بحلول 2050، مدعومة بمشروعات بنية تحتية واسعة مثل توسعة ميناء سيهانوكفيل وقناة فونان تيكو.

أخبار ذات علاقة

مبنىً في العاصمة فنوم بنه استخدمته مجموعة "برينس" القابضة مقرًا لها،  في 14 نوفمبر 2025.

من كمبوديا إلى طوكيو.. أكبر عصابة آسيوية تحول العقارات إلى آلة لغسيل الأموال

كما سعت الحكومة إلى جذب الاستثمار الأجنبي وتنشيط القطاع الزراعي، فيما شهدت السياحة دفعة قوية مع افتتاح مطاري سيام ريب-أنغكور (2023) وتيكو الدولي (2025).

ورغم الصورة الطموحة، برزت تشققات واضحة، إذ أدّى تباطؤ الاقتصاد الصيني، أكبر مصدر للاستثمارات، إلى ضرب قطاعي البناء والعقارات، بينما أثار غياب الشفافية في تمويل قناة تيكو تساؤلات محلية ودولية، وتسبّب ارتفاع جرائم الاحتيال الإلكتروني في الإضرار بسمعة كمبوديا وفرض عقوبات دولية.

 وتشير هذه التطورات مجتمعة إلى هشاشة النمو الحالي، وأن استدامته تبدو غير مضمونة في ظل التصعيد السياسي المستمر.

مكاسب وخسائر النزاع الحدودي

أدّى تصاعد المناوشات الحدودية مع تايلاند إلى انفجار العنف في يوليو 2025؛ ما وضع حكومة هون مانيت أمام اختبار صعب، وهو الحفاظ على الاستقرار الأمني من دون التراجع عن خطاب قومي متشدد يتبناه بقوة الجيل الجديد من النخبة الحاكمة.

استغل النظام هذه الأزمة لإبراز نفسه مدافعًا عن "الخط الأحمر" الإقليمي، وكان لظهور هون سين في مقدمة المشهد أثر كبير في تعزيز المشاعر القومية؛ فحُظر استيراد الأفلام والمنتجات الزراعية التايلاندية، وشارك أكثر من 100 ألف مواطن في مسيرة تضامن ضخمة.

أخبار ذات علاقة

جندي يسير أمام مبنى تضرر من جراء المدفعية بين تايلاند وكمبوديا

كمبوديا وتايلاند.. الحدود تغلي وإجلاء مئات السكان

كان الثمن الاقتصادي لهذه التطورات كبيرًا، إذ خفّض بنك التنمية الآسيوي توقعات النمو لعام 2025 من 6.1% إلى 4.9% ولعام 2026 من 6.2% إلى 5%، بينما ازدادت الضغوط على الإنفاق الاجتماعي لدعم النازحين من المناطق الحدودية. 

كما تراجع النشاط في القطاعات المعتمدة على الاستقرار الإقليمي، مثل الاستثمارات التصديرية والصناعات الزراعية؛ ما عمّق حالة التباطؤ الاقتصادي.

تضع هذه الديناميكية حكومة هون مانيت أمام معضلة حقيقية: فكلما تمسّكت بالخطاب القومي، تراجعت ثقة الأسواق وارتفع مستوى المخاطر الاقتصادية.

السياحة في قلب العاصفة

السياحة، إحدى أهم مصادر العملات الأجنبية، كانت من أكثر القطاعات تضررًا. ورغم زيادة طفيفة في أعداد الزوار الدوليين بنسبة 4.4% في مايو 2025 مقارنة بالعام السابق، فإن الصورة انقلبت رأسًا على عقب بعد اندلاع التوترات.

تُظهر بيانات وزارة السياحة تراجعًا حادًّا في القطاع، حيث انخفض عدد السياح الدوليين شهريًّا بنسبة تتراوح بين 20% و40%، وتراجع الزوار القادمون من تايلاند بنسبة 28.2% منذ عام 2024. 

ورغم ارتفاع عدد السياح الصينيين بنسبة 45.7%، فإن هذه الزيادة لم تكن كافية لتعويض الخسائر الناتجة عن انهيار السوق التايلاندية. 

كما أُلغي حدث سلسلة كمبوديا الدولية للجولف (LIV) بسبب التوترات السياسية، موجّهًا ضربة إضافية لصورة كمبوديا كوجهة آمنة وجاذبة للسياحة العالمية.

أخبار ذات علاقة

قوات تايلاندية على الحدود مع كمبوديا

بعد انهيار "اتفاق ترامب".. سقوط أول قتيل بمواجهات جديدة بين كمبوديا وتايلاند

تظهر هذه المعطيات أن استمرار النزاع يهدد أحد أهم أعمدة النمو، وأن أي انتعاش مستدام يتطلب عودة بيئة مستقرة وخالية من الاضطرابات.

تكشف التجربة الكمبودية عام 2025 أن النزعة القومية المتطرفة والتنمية الاقتصادية الطموحة طريقان يصعب الجمع بينهما. 

فبينما حققت الحكومة مكاسب سياسية قصيرة الأجل من الحشد القومي، فإن تكلفة استمرار الصراع تتجاوز حدود الشرعية الشعبية لتطال أساس القوة الاقتصادية للدولة.

ولكي تنجح كمبوديا في تحويل مشاريعها التنموية إلى واقع مستدام، فإن إدارة "الخطوط الحمراء" القومية يجب أن تتم بحذر شديد، وبما يضمن الحفاظ على الاستقرار الذي يشكل شرطًا أساسيًّا لأي نمو اقتصادي طويل الأجل.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC