أصدرت المحاكم الفرنسية أحكاماً صادمة واحدة تلو الأخرى هذا العام، في اختبار لتوازن القوى بين القضاء المستقل بشدة في البلاد وقيادتها السياسية، مع اتهامات بأنه "تأمرك"، بالإشارة إلى الفوضى القضائية في الولايات المتحدة بين الرئيس وخصومه، بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".
وخلال الأشهر الماضية صدرت أحكام تاريخية "مثيرة للجدل"، ضد اثنين من أكثر السياسيين نفوذًا في البلاد، مما فتح الباب أمام نقاش محتدم حول حدود السلطة القضائية.
وفي مارس/آذار الماضي، منعت محكمة زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان من الترشح للرئاسة لمدة خمس سنوات بعد إدانتها باختلاس أموال الاتحاد الأوروبي. ثم، يوم الثلاثاء، أصبح نيكولا ساركوزي، المحافظ، أول رئيس سابق يدخل زنزانة سجن، بعد أن حكم عليه القضاة بالسجن خمس سنوات بتهمة التآمر للحصول على تمويل لحملته الانتخابية من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.
ويرى ملايين من أنصار لوبان وساركوزي في جميع أنحاء البلاد أن النظام القضائي يضطهد قادتهم بدلاً من محاكمتهم، إذ يعتقد أنصار الرئيس السابق أنها محاولة لإذلال رئيس دولة سابق خالف أسلوبه الفظّ الأعراف السائدة.
في المقابل، يقول أنصار لوبان إن قرار المحكمة بمنعها من الترشح يتحدى إرادة الناخبين بمنعها من خوض سباق الرئاسة لعام 2027.
لكن القضاة يصرون على أنهم ببساطة يطبّقون القانون في تعاملهم مع كل قضية، وتُظهر استطلاعات الرأي أن الغالبية العظمى من الشعب الفرنسي تؤيدهم.
بل إن هؤلاء الناخبين يعتبرون الغضب من الأحكام اعتداء على مبدأ أصيل من مبادئ الديمقراطية الفرنسية، ألا وهو أن لا أحد فوق القانون، يعود تاريخه إلى الثورة الفرنسية وإعدام الملك لويس السادس عشر بالمقصلة.
ويتقاطع الصراع السياسي والقضائي في فرنسا مع الجدل الدائر حالياً في الولايات المتحدة، حيث اتهم الديمقراطيون الرئيس دونالد ترامب باستغلال وزارة العدل لملاحقة خصومه، وهو الاتهام نفسه الذي وجهه الرئيس الأمريكي إلى خصومه الذين سعوا إلى استخدام المحاكم لملاحقته.
في فرنسا، يُفترض براءة المدانين ما دام الاستئناف قائماً، إذ يقول لوبان وساركوزي إن القضاة، بمعاقبتهم بأحكام مؤقتة، حرموهم من الإجراءات القانونية الواجبة. ويهدف مشروع قانون قدمه نائب من حزب ساركوزي إلى البرلمان لإطلاق عملية استئناف للحكم المؤقت.
وتريد لوبان والمشرعون في حزب ساركوزي المحافظ تقييد قدرة القضاة على إصدار الأحكام من خلال التنفيذ "المؤقت"، وهذا يُلزم المُدانين ببدء تنفيذ أحكام السجن والعقوبات الأخرى قبل استنفاد إجراءات الاستئناف.
ومع ذلك، يرى خبراء القانون أن الانتقادات الأخيرة للأحكام المؤقتة تتجاهل أكثر من عقد من التشريعات والاجتهادات القضائية الهادفة إلى تشديد النظام القضائي الذي قد يستغرق سنوات للوصول إلى حكم نهائي. ووفقاً لوزارة العدل، طُبق التنفيذ المؤقت على 57% من أحكام السجن الصادرة في 2024، مقابل 43% في 2020.
وحدث هذا الارتفاع وسط ضغوط من السياسيين المحافظين واليمينيين المتطرفين لتقوية نظام قضائي لطالما سخروا منه ووصفوه بالتراخي والركود.
وبدأت محاكمة ساركوزي في يناير/كانون الثاني، لكن النيابة العامة بدأت التحقيق في الادعاءات التي أدت إلى المحاكمة قبل أكثر من عقد، كما بدأ التحقيق الذي أدى إلى إدانة لوبان قبل ذلك بعقد.
وقال بنيامين موريل، أستاذ القانون العام في جامعة باريس بانتيون أساس: "إنها ليست مؤامرة كبرى دبرها النظام. المفارقة هي أن السياسيين يضغطون باستمرار من أجل التنفيذ المؤقت للأحكام، ولكن عندما يتعلق الأمر بنيكولا ساركوزي، يجدون فجأةً مشكلة في التنفيذ المؤقت ويلومون القاضي".