يرى خبراء ووسائل إعلام غربية، أن العلاقات التقليدية بين الولايات المتحدة ودول أوروبا لن تعود إلى ما كانت عليه قبل المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، واتفقا خلالها على العمل لوقف الحرب في أوكرانيا.
هذه المكالمة التي استمرت ساعة ونصف الساعة، حملت أخباراً سيئة لأوكرانيا باعتبارها المتضرر الأكبر من أي حل لا يعيد الأوضاع إلى ما قبل 2014، ونكسة لطموحاتها بالانضمام لحلف شمال الأطلسي، وتوجه أيضا ضربة كبيرة للاتحاد الأوروبي، بحسب المحللين.
ويقول محللون إن المكالمة لم تكن مجرد حديث بين زعيمين عالميين، بل كانت مؤشراً على تحول كبير في السياسة الخارجية الأمريكية، والتي قد تكون لها تداعيات خطيرة على التفاهمات الأوروبية الأمريكية، خاصة في الملف الأوكراني.
اللافت للنظر في حديث ترامب هو تلميحه إلى ضرورة أن تتنازل أوكرانيا عن بعض أراضيها، وهو ما يلقى اعتراضاً قوياً من قبل الدول الأوروبية التي تعتبر وحدة الأراضي الأوكرانية خطا أحمر.
ولم يكتف ترامب بهذا الحد، بل ذهب أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو ليس حلاً مناسباً للنزاع، في خطوة تتناقض مع مساعي أوكرانيا، وسياسة معظم الدول الأوروبية التي تسعى لدعم أوكرانيا في الانضمام إلى الحلف.
وجاءت المكالمة في وقت يجري فيه وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث زيارة إلى أوروبا، كشفت التحولات الجديدة في سياسة واشنطن، بعد أن طلب من التكتل تولي مسؤولية الأمن في دوله.
ويرى المحلل السياسي حسن الخالدي أن هذه التطورات تعد بمثابة اختبار حقيقي للتحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا في معالجة الأزمة الأوكرانية.
وتأمل بعض الدول الأوروبية في دور أكبر للاتحاد الأوروبي في التفاوض مع روسيا، لكن الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب تسعى إلى تسريع المفاوضات مع روسيا بشكل منفصل، وهو ما قد يؤدي إلى إضعاف دور أوروبا في هذه المفاوضات.
هذا التوجه، بحسب الخالدي، يمكن أن يتسبب في إحباط بعض الدول الأوروبية التي تأمل أن تبقى سياسات الاتحاد الأوروبي متوافقة مع نظيراتها الأمريكية.
وقال الخالدي لـ"إرم نيوز" إن "التوجه الأمريكي الجديد يظهر رغبة ترامب في إعادة ترتيب الأولويات على المستوى العالمي، حيث لا يبدو أن اهتمامه بمصالح حلفائه الأوروبيين هو الأولوية"، مشيرا إلى أن "هذه السياسة الانفرادية قد تؤدي إلى حدوث انقسام حقيقي في العلاقات عبر الأطلسي، خصوصاً أن الأوروبيين يعتبرون أنفسهم شركاء أساسيين في مواجهة التهديدات الروسية، بينما ترامب يتجه نحو سياسة أكثر انعزالاً".
النقطة المثيرة للقلق أوكرانيًا وأوروبيًا، كانت في تصريح ترامب بأن الحل في أوكرانيا يتطلب التفاوض مع روسيا بشكل مباشر، بما في ذلك تقديم تنازلات من أوكرانيا.
ويتناقض هذا الموقف تمامًا مع سياسة الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر أن أي مفاوضات يجب أن تأخذ في الاعتبار مبدأ سيادة الدول وحقوق الشعوب، إضافة إلى مخاوف في التكتل من أن يؤدي هذا الطرح إلى تقويض دعمهم للدولة السوفيتية السابقة، ويضعهم في موقع متراجع أمام روسيا.
ويقول الخالدي إن "ترامب يظهر ميلاً للمساومة مع روسيا في مواقف قد تضر بالأمن الأوروبي، ويبدو أن الولايات المتحدة تحت قيادته تبتعد عن فكرة التضامن الأطلسي "، مبينًا أن "هذا لن يكون مقبولاً بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي التي ترى في روسيا تهديداً وجودياً، وتعتبر أن أي حلول محتملة يجب أن تكون شاملة ومتعددة الأطراف".
ويأتي الحديث عن المفاوضات في وقت تشهد فيه علاقات الإدارة الأمريكية الجديدة بأوروبا مشكلات مختلفة بدأت مع تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة، إضافة إلى دعوته المتكررة للأعضاء في الحلف الأطلسي إلى رفع الإنفاق الدفاعي.
وتعد دول الاتحاد الأوروبي من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وأي توتر في العلاقة السياسية قد يؤدي إلى تراجع التعاون الاقتصادي، لذلك ترى وسائل إعلام غربية أن الضغط على أوكرانيا لتقديم تنازلات قد يؤدي إلى توترات بين واشنطن وحلفائها في الاتحاد الأوروبي.
وفي تقرير تحدث عن تداعيات هذه المكالمة على العلاقات عبر الأطلسي، سلطت صحيفة "لوموند الفرنسية" الضوء على مخاوف الأوروبيين من إمكانية تهميش دورهم في المفاوضات المستقبلية بشأن أوكرانيا.
وتعتقد الصحيفة أن التحركات الأمريكية الأخيرة قد تؤدي إلى إعادة تقييم الشراكات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، إذا تم تجاوز المصالح الأوروبية في القرارات الحاسمة المتعلقة بالأمن الإقليمي.
من جهتها، لا تستعبد صحيفة "فايننشال تايمز" أن تدفع إجراءات ترامب إلى إعادة تقييم الشراكات التجارية والاستثمارية بين واشنطن وبروكسل، مما قد يذهب بدول أوروبا إلى تعزيز تعاونها الداخلي وتنويع شراكاتها مع دول أخرى لتقليل التأثيرات السلبية المحتملة من السياسات الأمريكية الجديدة.