وصف خبراء مختصون في الشأن الروسي والعلاقات الدولية، الثلاثاء، إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداده للتفاوض مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، رغم تشكيكه بشرعيته، بـ "المناورة".
ورأى الخبراء، في حديثهم لـ "إرم نيوز"، أن تلك المناورة تأتي بهدف ربط المفاوضات الحالية حول الأزمة الأوكرانية بـ"الواقع الجديد" المرتبط بسيادة روسيا على الأراضي التي ضمتها عسكرياً.
وأوضح الخبراء أن ذهاب بوتين لهذا الحديث قد يعد تمهيداً لصفقة "الأمر الواقع" التي ترددت الأحاديث عن ذهاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نحوها، بإجراء مباحثات تعطي موسكو المناطق التي سيطرت عليها باعتراف رسمي أوكراني.
وأشاروا إلى أن ذلك قد يمثل "صفعة" للأوروبيين الذين لم يستطيعوا إظهار أوراق دعم حقيقية وجديدة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في ظل الضغوط التي يفرضها ترامب.
وكان الكرملين، قد أكد، يوم الثلاثاء، أن بوتين مستعد للتفاوض مع زيلينسكي "إذا لزم الأمر"، مع تجديده التشكيك بشرعية الأخير كرئيس لأوكرانيا.
وأوضح المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف أن "بوتين بنفسه قال إنه سيكون مستعداً للتفاوض مع زيلينسكي إذا لزم الأمر، لكن الإطار القانوني للاتفاقات يجب أن يخضع للنقاش".
وتعدّ تلك إشارة إلى شكوك تبديها موسكو بشأن "شرعية" زيلينسكي، الذي انتهت ولايته رسمياً، في أيار/ مايو 2024، علماً بأن الأحكام العرفية المفروضة في البلاد منذ بدء الحرب في أوكرانيا مطلع 2022، تحول دون إجراء أي انتخابات.
ويأتي هذا الموقف في ظل استمرار النزاع المسلح في أوكرانيا وبعد محادثات روسية أمريكية في السعودية، قبل قمة "مرتقبة" بين الرئيس الروسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب.
وقال مدير مركز "جي إس إم" للأبحاث والدراسات الدكتور آصف ملحم، إن "تصريح المتحدث باسم الكرملين بيسكوف، عن استعداد بوتين للتفاوض مع زيلينسكي مع الإشارة إلى عدم شرعية الأخير، هو نوع من المناورة من جهة الكرملين".
وأضاف ملحم لـ "إرم نيوز" أنه "بغض النظر عن كون زيلينسكي رئيساً شرعياً أو غير ذلك، فالمفاوضات معه ممكنة، لاسيما أنه ولضمان قانونية أي مفاوضات بين الطرفين، يجب التصديق عليها من قبل كل من البرلمانين الروسي والأوكراني.
وأشار ملحم إلى أن "موسكو تقول إنها معنية بهذه المفاوضات بشرط الاعتراف بالواقع الجديد بسيادة روسيا على الأراضي التي ضمتها، واعتراف البرلمان الأوكراني بذلك".
ولفت ملحم إلى أن "الكرملين يريد إرسال إشارة غير مباشرة غامضة وتحمل عدة معانٍ، وبالتالي هذه الرسالة أقرب إلى كونها رسالة إعلامية، بأنه حتى إذا كان زيلينسكي غير شرعي، فإن موسكو مستعدة للتفاوض معه وهو نوع من الدفعة المعنوية لهذه المفاوضات لإنجاحها، نظراً لرغبة روسيا الوصول في هذه المرحلة على الأقل إلى توافق معين وليس إنهاء كامل للصراع".
وتابع ملحم، قائلاً إن "أوكرانيا في الأساس ليست الطرف الذي يحل جميع المشاكل في الوقت المعلوم فيه أن من يدفع كييف إلى الصراع هي الدول الأوروبية، فضلاً عن أنه لا يوجد أساس لهذه المفاوضات التي تحتاج المزيد من الوقت للوصول إلى صيغة معينة للسلام في أوكرانيا وأوروبا الشرقية".
من جهته، يرى الباحث في العلاقات الدولية، ناصر عباس ، أنه "في ظل الصعوبات القانونية والعسكرية والميدانية، بخصوص إجراء انتخابات رئاسية في أوكرانيا والإتيان برئيس جديد، ينهي الحرب، تلوح في الأفق فكرة وجود تنسيق أمريكي روسي عبر المفاوضات التي تُجرى حالياً".
وقال لـ "إرم نيوز"، إن تلك الفكرة تتمثل في "الذهاب إلى مسار ينتج عنه الاعتراف من سلطة أوكرانية في إشارة إلى زيلينسكي من خلال ترتيب هذه الوضعية، بما حصلت عليه روسيا عسكرياً من مناطق داخل أوكرانيا، وذلك حتى لو سيتم تغير هذه السلطة في كييف بعد فترة".
وأضاف أن "ما يوفره ترامب من رغبة في إنهاء الحرب في ظل تصريحاته التي توضح أن روسيا ستحتفظ بأجزاء كبيرة من أوكرانيا، يجعل بوتين يخرج بهذه التصريحات للتمهيد باستغلال الموقف الحالي، بالخروج بالوضع الميداني القائم وضم ما دخلت إليه روسيا، وهو ما سيعتبر صدمة أوروبية لاسيما في حال إجراء المفاوضات والاتفاق مع زيلينسكي الذي تدعمه و تؤيده أوروبا، في ظل وجود مخاوف من أن يذهب زيلينسكي في صفقة مع ترامب تدور في هذا السياق وانقلابه على أوروبا.
وأشار عباس إلى أن "سرعة إنهاء الحرب ستحمل إحراجاً للجانب الأوروبي الذي يعطل المفاوضات، مما يعكس التغير الظاهري في تصريحات بوتين وموقفه بإمكانية التعامل والتفاوض مع زيلينسكي، ليكون ذلك بغرض الفوز بالمكاسب الاستراتيجية والسياسية المرتبطة بالوقت والموقف الحالي، توجيه صفعة قوية للأوروبيين".
ويختم عباس بالقول إن "بوادر ذهاب زيلينسكي في صفقة الأمر الواقع بهذا الشكل قد تكون جائزة في الوقت الذي لم يستطع فيه الأوروبيون إظهار أوراق دعم حقيقية وجديدة للرئيس الأوكراني في ظل الموازين والضغوط التي يفرضها ترامب".