ترامب: شعرت بغضب شديد بعد علمي بهجوم أوكرانيا على مقر إقامة بوتين

logo
العالم

سياسة "الاعتياد العسكري".. ماذا تعني المناورات الصينية المتكررة حول تايوان؟

سفينة حربية صينية خلال مناورات عسكرية قرب تايوان المصدر: رويترز

دخلت تايوان، اليوم الاثنين، على وقع تحركات عسكرية صينية مكثفة في محيطها البحري والجوي، أعادت ملف المضيق إلى واجهة المشهد الإقليمي والدولي. 

الكثافة، التوقيت، ونطاق التحركات، كلها عناصر دفعت تايبيه إلى رفع مستوى الجاهزية، فيما التزمت خطاباً سياسياً حذراً، يتجنب الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة مع الصين.

ورغم الطابع العسكري الظاهر لهذه التطورات، إلا أن قراءتها بمعزل عن سياقها السياسي الأوسع تبدو قاصرة، فالمؤشرات المتراكمة توحي بأن ما يجري يتجاوز منطق "التحذير"، ويتجه نحو محاولة مدروسة لإعادة ضبط قواعد الضغط والردع في مضيق تايوان.

أخبار ذات علاقة

 تايوان تواجه أقوى استعراض صيني

الصين ترفع السقف حول تايوان.. مناورات عسكرية تهز المضيق (فيديو إرم)

تصعيد محسوب

وبحسب ما أفاد مصدر دبلوماسي أمريكي مطّلع، لـ"إرم نيوز"، فإن واشنطن تنظر إلى التحركات الصينية الأخيرة كجزء من نمط تصعيد يُدار بعناية ويُختبر على مراحل، مضيفاً أن التوقيت في نهاية عام دولي مضطرب، "ليس صدفة"، لكنه يأتي في مرحلة ترى فيها بكين أن هامش المناورة السياسية والعسكرية بات أوسع، في ظل انشغال الولايات المتحدة بملفات أخرى.

هذا التقدير الأمريكي ينسجم مع قراءة تعتبر أن بكين تسعى إلى رفع منسوب الضغط من دون كسر السقف الذي قد يستدعي رداً مباشراً، سواء من تايبيه أو من حلفائها في واشنطن أو طوكيو.

ومن وجهة النظر الأمريكية، لا تعبّر المناورات الحالية عن استعداد فوري لعمل عسكري واسع.

وأشار المصدر الدبلوماسي إلى أن الرسالة الأساسية تهدف إلى جعل الحضور العسكري الكثيف حول تايوان واقعاً متكرراً، ليظهر تدريجياً كجزء من المشهد الطبيعي في المضيق.

هذا الأسلوب، وفق المصدر، يتيح للصين تحقيق مكاسب سياسية متراكمة من دون تحمّل كلفة الحرب، سواء على الصعيد الإقليمي، أو في علاقتها مع الولايات المتحدة.

واشنطن تراقب حدود الالتزام

في المقابل، تدرك تايبيه حساسية اللحظة، إذ جاء الرد التايواني بـ"دقة شديدة"، بحيث يوازن بين إظهار الجاهزية الدفاعية وعدم توفير أي ذريعة سياسية لبكين، كما يلفت المصدر الدبلوماسي الأمريكي.

هذا التوازن يعكس قلقاً حقيقياً من تحوّل الضغط العسكري المتكرر إلى واقع يصعب كسره لاحقاً.

واللافت أن الخطاب التايواني الرسمي يركّز على الاستقرار والمسؤولية الإقليمية، في محاولة واضحة لنقل كلفة التصعيد سياسياً إلى الطرف الصيني.

في واشنطن، يُعتبر التصعيد الحالي كجزء من "صراع إدارة المساحات"، على حد تعبير المصدر الدبلوماسي.

ويضيف أن الولايات المتحدة ترى أن الصين "تختبر حدود الالتزام الأمريكي، لمعرفة أين يبدأ الثمن الحقيقي لأي دعم فعلي لتايوان".

هذا التقدير يفسّر، إلى حدّ بعيد، نبرة المواقف الأمريكية التي تجمع بين الدعوة إلى ضبط النفس، والاستمرار في التأكيد على دعم الاستقرار في المضيق، من دون خطوات دراماتيكية قد تُفسَّر كتحدٍّ مباشر لبكين.

السؤال الجوهري وفق القراءة الأمريكية، يتعلّق بما إذا كانت قواعد اللعبة نفسها تتبدّل بهدوء، فالتراكم البطيء للتحركات العسكرية، قد يتحوّل مع الوقت إلى أمر واقع جديد، يصعب التراجع عنه.

الضغط اليومي بدل المواجهة

من جانبه، يرى الباحث الياباني في شؤون شرق آسيا، كِنجي ناكامورا، خلال حديثه لـ"إرم نيوز"، أن التحركات الصينية الأخيرة تبدو أقل ارتباطاً بسيناريو الحرب المباشرة، وأكثر اتصالاً بمحاولة إعادة صياغة السلوك اليومي في مضيق تايوان.

الفكرة الأساسية، كما يمكن قراءتها من طوكيو، تقوم على اختبار القدرة السياسية لتايبيه على التكيّف مع ضغط مستمر ومتكرر.

وبحسب ناكامورا، فإن تايوان، في هذا السياق، تدرك أن قياس قدرتها يكمن من خلال منع تحوّل الضغط العسكري إلى أمر اعتيادي.

وقال: "التحدي الحقيقي أمام تايبيه يتمثل في الحفاظ على مساحة القرار السياسي المستقل، ومنع بكين من فرض إيقاع أمني جديد يحدّ من خياراتها تدريجياً".

ومن وجهة نظر إقليمية، فإن أي تصعيد يتجاوز مستوى الضغط المنضبط سيضرّ بالصين بقدر ما يضرّ بتايوان، لأن الاستقرار في المضيق يشكّل مصلحة مباشرة لليابان ودول الجوار.

لذلك؛ فإن القراءة الأقرب للواقعية هي أن بكين تحاول دفع تايوان إلى القبول بسقف أقل من الاستقلال الكامل في الحركة، دون إجبارها على مواجهة عسكرية مفتوحة.

أخبار ذات علاقة

الناطق باسم الخارجية الصينية لين جيان

بعد بدء مناورات في محيطها.. الصين تحذر "قوى خارجية" من دعم تايوان

منطق الضغط المتدرّج

بدوره، اعتبر الباحث الأمريكي المتخصص في السياسات الدولية والعلاقات الاستراتيجية، دانيال روبرتس، خلال حديثه لـ"إرم نيوز"، أن واشنطن تقرأ التحركات الصينية حول تايوان كجزء من نمط طويل الأمد تسعى فيه بكين إلى تعديل ميزان الردع من دون تحمّل كلفة الصدام.. هذا النمط، يقوم على مبدأ الضغط المتدرج، دون القفز نحو المواجهة.

والتوقع السائد في الأوساط الأمريكية هو استمرار هذا السلوك خلال المرحلة المقبلة، مع احتمال تكرار المناورات ورفع مستوى التعقيد العملياتي، لكن من دون الانتقال إلى خطوات يصعب التراجع عنها.

بكين، وفق هذا التقدير، تحاول اختبار صبر تايبيه وحلفائها، وقياس مدى استعداد الولايات المتحدة لتحويل التزاماتها السياسية إلى أكلاف عملية.

في المقابل، لا يبدو أن واشنطن تتجه إلى تغيير جذري في سياستها، فالسيناريو الأكثر ترجيحاً، بحسب روبرتس، هو الإبقاء على دعم محسوب لتايوان، يوازن بين الردع وعدم الاستفزاز، مع ترك الباب مفتوحاً أمام إدارة الأزمة بدلاً من حسمها.

من هذه الزاوية، فإن المرحلة المقبلة مرشحة لمزيد من التوتر المُدار، دون انفجار شامل ما لم يطرأ عامل غير محسوب يخلّ بهذه المعادلة الدقيقة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC