في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل، أصدر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الخميس، مرسوماً بتعيين علي لاريجاني، الرئيس الأسبق للبرلمان ومستشار القائد الأعلى، ممثلاً له في المجلس الأعلى للأمن القومي، خلفاً للسياسي المحافظ المتشدد سعيد جليلي.
كما أصدر خامنئي مرسوماً بتعيين الجنرال علي أكبر أحمديان والأدميرال علي شمخاني بمنصب ممثلين عنه في مجلس الدفاع الوطني الذي جرى تشكيله مؤخراً.
أثار هذا التغيير ردود فعل متباينة داخل الأوساط السياسية والإعلامية في طهران، إذ اعتبر كثيرون أن "إقصاء جليلي يعكس تحولاً استراتيجياً في إدارة الملفات الأمنية والنووية في البلاد".
جليلي خارج الدائرة.. هل انتهى نفوذه؟
وسعيد جليلي، الذي تولى منصب ممثل المرشد في مجلس الأمن القومي لقرابة 15 عاماً، يُعد من أبرز وجوه التيار المحافظ الثوري، وسبق أن شغل منصب كبير المفاوضين النوويين بين عامي 2007 و2013. ورغم خسارته في انتخابات الرئاسة مرتين، ظل يُنظر إليه كـ"ظلّ مرشد" في الملفات الحساسة، خاصة ملف التفاوض مع الغرب.
لكن قرار إبعاده في هذا التوقيت – بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية العام الماضي أمام الرئيس الحالي مسعود بزشكيان – فسّره مراقبون بأنه إشارة واضحة على تراجع حظوظه السياسية، وربما غلق الباب أمام ترشحه المحتمل في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
عودة لاريجاني: انفتاح أم مناورة؟
عودة علي لاريجاني، المعروف بمواقفه البراغماتية وتوجهاته المعتدلة، إلى هذا الموقع الحساس، تُعد لافتة، خصوصاً في ظل التوترات الإقليمية والتحديات الداخلية المتصاعدة.
ويمتلك لاريجاني علاقات واسعة في الداخل والخارج، وسبق أن لعب دوراً مهماً في إدارة الملف النووي بعد جليلي، قبل أن يختلف مع نهج التصعيد ويستقيل عام 2007.
ويرى مراقبون أن إعادة لاريجاني إلى صلب المؤسسة الأمنية تعكس رغبة من القيادة الإيرانية في تليين المواقف تجاه الغرب، أو على الأقل إعادة التوازن داخل المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يهيمن عليه حالياً الحرس الثوري والتيار المحافظ المتشدد.
رسائل سياسية مزدوجة
يرى محللون أن القرار يحمل رسائل مزدوجة: فمن جهة، إزاحة جليلي قد تُرضي المعتدلين داخل النظام وتقلّص من نفوذ التيار الراديكالي، ومن جهة أخرى، فإن تعويم لاريجاني قد يكون مجرد تحريك للقطع على رقعة الشطرنج السياسية، استعداداً لمرحلة ما بعد خامنئي.
لكن ما يُجمع عليه العديد من المراقبين هو أن هذه التغييرات تأتي في سياق أوسع من إعادة ترتيب البيت الداخلي للنظام الإيراني، خاصة بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل التي اندلعت في منتصف يونيو الماضي.
تشبيه مثير للجدل من جليلي
وجليلي، المعروف برفضه لأي انفتاح دبلوماسي على الغرب، نشر تعليقاً في منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، شبّه فيه مؤيدي الدبلوماسية بـ"قوم بني إسرائيل الذين عبدوا العجل في غياب النبي موسى"، ما فُسر على أنه تشبيه ضمني لنفسه بموسى، وانتقاد لعودة الحديث عن التفاوض مع الغرب.
هذا الموقف من قبل جليلي جاء بعد قرار تعيين الرئيس بزشكيان، أمس، لاريجاني بمنصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي بدلاً من الجنرال علي أكبر أحمديان الذي ينتمي للحرس الثوري.
وقد ركزت الصحف الإيرانية، على تغريدة جليلي، حيث قالت صحيفة "جوان" التابعة للحرس الثوري مخاطبة جليلي: "إذا كان لديك اعتراض، فلتطرحه في الاجتماعات المغلقة، لا في الإعلام"، مذكّرة بأن المرشد الأعلى هو من يرسم حدود التفاوض، وقد أشار صراحة إلى أهمية العمل الموازي بين العسكريين والدبلوماسيين.
أما صحيفة "خراسان" الأصولية المتشددة، فقد هاجمت جليلي بشدة، قائلة إن "تشبيه الشعب الإيراني بعُبّاد العجل إهانة واضحة... ولماذا تفترض أن المرشد غائب؟".
صحيفة "همشهري" التابعة للحكومة المحلية في طهران، فدعمت تعيين لاريجاني، واعتبرته "شخصية عقلانية ضرورية في قرارات حساسة مثل الفيلترة، والحجاب، والسيادة السيبرانية".
فيما نقلت صحيفة "شرق" الإصلاحية عن المحلل السياسي "محمد صادق جوادي حصار" قوله إن تعيين لاريجاني قد يكون "تمهيداً لإخراج جليلي من مراكز القرار الأمني"، معتبراً أن استمراره في المجلس قد يُبقي على التوتر في السياسات الخارجية.
وفي المقابل، دافعت صحيفة "كيهان" عن جليلي، ووصفت الجدل بأنه "فبركات التيار الإصلاحي"، مؤكدة أن "خدماته المؤثرة لن تتوقف"، وأن ما يحدث هو "إعادة توزيع أدوار" وليس إقصاء.