في اللحظة التي حاول فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، إظهار جبهة موحّدة لمضاعفة الضغط الاقتصادي على موسكو، جاء الرد الروسي سريعًا وصارمًا، حيث أعلن الكرملين أن "العقوبات لن تغير المسار"، في رسالة تحمل أكثر من دلالة، واعتُبرت تحديا مباشرا لواشنطن وبروكسل، ورهانا على قدرة الاقتصاد الروسي على امتصاص الصدمات، بل وتحويل العقوبات إلى عامل يدفع موسكو لتعميق شراكاتها مع الشرق.
ووفقًا لمراقبين، فإن هذا الاشتباك اللفظي يكشف أن المواجهة لم تعد فقط عسكرية في أوكرانيا، بل تحولت إلى معركة استنزاف اقتصادية مفتوحة بين روسيا والغرب.
ويرى خبراء أن صمود الاقتصاد الروسي في مواجهة العقوبات الغربية يعود إلى عدة عوامل هي بمثابة "دروع خفية"، أبرزها اعتماد موسكو على الصين والهند، وامتلاكها موارد طبيعية هائلة، وقاعدة صناعية قادرة على تغطية احتياجاتها الداخلية والتصدير إلى الخارج.
وقال الدكتور نبيل رشوان، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن الاقتصاد الروسي يعاني شروخا متعددة، إلا أن موسكو تستند بدرجة كبيرة إلى الصين والهند، وهو ما يجعل العقوبات الغربية غير كافية لوقف الحرب.
وأكد، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يمارسان ضغوطًا مكثفة على بكين ونيودلهي للحد من دعمهما لروسيا، لافتًا إلى أن مبعوثًا أمريكيًّا صرح أخيرًا بأن تخلّي الصين عن موسكو "قد ينهي الحرب".
وأشار المحلل السياسي إلى أن العقوبات الغربية تظل أداة ضغط مهمة، لكنها لا تكفي لإجبار روسيا على وقف عملياتها العسكرية، خاصة في ظل استمرار أوكرانيا في تبني "الدفاع النشط" على جبهات القتال، بينما تسعى موسكو للسيطرة على مقاطعة زابوريجيا.
وأضاف أن العنصر الاقتصادي يظل حاسمًا بالنسبة لروسيا، مذكّرًا بأن أوروبا قد تتمكن بحلول نهاية 2026 من الاستغناء عن المحروقات الروسية، لكنها حتى الآن لا تزال معتمدة عليها، مما يضعف من تأثير العقوبات على القرار السياسي الروسي.
ولفت رشوان إلى أن روسيا عوضت جزءًا من خسائرها من خلال تعزيز علاقاتها مع الصين والهند، مستشهدًا بتوقيع اتفاقية مع بكين خلال قمة منظمة شنغهاي الأخيرة لإنشاء خط أنابيب "قوة سيبيريا 2" لتوريد 38 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا، مقارنة بـ150 مليار متر مكعب كانت تُصدّرها موسكو إلى أوروبا سابقًا.
الدكتور سمير أيوب، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، اعتبر أن صمود الاقتصاد الروسي أمام العقوبات يعود إلى مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، أبرزها "الاعتماد على الموارد الذاتية، والثقة المجتمعية، والسياسات الاقتصادية المستقلة".
وأشار الخبير في الشؤون الروسية، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إلى أن الغرب حاول منذ بداية الحرب إضعاف موسكو بالعقوبات، إلا أن روسيا كانت واثقة من قوة اقتصادها، مما حال دون انهياره، رغم بعض التأثيرات المحدودة.
وذكر أيوب أن روسيا تمتلك موارد طبيعية ضخمة وقاعدة صناعية واسعة تُغطي احتياجاتها وتُصدّر إلى أسواق خارجية، وهو ما قلّل اعتمادها على الغرب، ورغم أن قطاع التكنولوجيا تأثر، فإن ذلك لم يبلغ الحد الذي يدفع موسكو للرضوخ.
ولفت إلى أن أوروبا لا تزال تعتمد على الطاقة الروسية، وهو ما يضعف فاعلية العقوبات، بينما محاولة واشنطن وقف استيراد الطاقة عبر أطراف ثالثة قد ترتد سلبيًّا على الأوروبيين الذين سيضطرون للشراء بأسعار مرتفعة، خصوصًا في ظل تباطؤ الاقتصاد الألماني.
وأكد أيوب أن هناك دولا كبرى مثل الهند والصين رفضت الضغوط الأمريكية وواصلت استيراد النفط الروسي، بل عززت علاقاتها الاقتصادية مع موسكو، بالإضافة إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين يخطط في الوقت الحالي لزيارة الهند لتعزيز الشراكة الاستراتيجية معها.
ورأى أن الغرب فشل حتى الآن في إضعاف الاقتصاد الروسي، مشيرًا إلى أن الصراع أصبح أقرب إلى "سياسة عض الأصابع" بين روسيا والغرب، خاصةً أن الدعم العسكري لكييف بمليارات الدولارات سيشكل عبئا ثقيلا على الأوروبيين، ولن يؤدي إلى هزيمة موسكو بل إلى إطالة أمد الصراع، معتبرًا أن "العودة إلى طاولة المفاوضات هي الحل الوحيد".