يدرك القادة الأوروبيون الآن حاجتهم إلى زيادة الاستثمار في الأمن، معتبرين أن القارة بحاجة إلى ميزانيات دفاعية أكبر لتمويل قدرات عسكرية أوسع وجيوش أكبر.
وينبع جزء من هذه الدوافع من واشنطن، التي حثت هذا العام أعضاء حلف شمال الأطلسي الأوروبيين على الالتزام بأهداف إنفاق عسكري بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي، بما في ذلك 3.5% للإنفاق على احتياجات الدفاع الأساسية كالعتاد.
لكن أوروبا بحاجة إلى هذا الإنفاق لمصلحتها الخاصة أيضًا، لضمان أمن القارة في عالم يقل فيه اعتمادها على حماية الولايات المتحدة، بحسب مجلة "فورين أفيرز".
يكمن التحدي في تنفيذ بناء عسكري فعال؛ حيث تتحمل العديد من الدول الأوروبية أعباء ديون ضخمة، وتكافح للسيطرة على الإنفاق على الرعاية الاجتماعية والمعاشات التقاعدية، مما يحد من قدرتها على المناورة المالية.
علاوة على ذلك، فإن زيادة الميزانيات لا تُترجم تلقائيًا إلى قدرات أكبر، فمجرد شراء المزيد من أنظمة الدفاع الأمريكية قد يُرضي واشنطن، ولكنه سيكون وسيلة غير فعالة وربما غير حكيمة لتعزيز الأمن الأوروبي.
تعاني صناعة الدفاع الأمريكية من تراكمات كبيرة، فمدة انتظار نظام دفاع صاروخي باتريوت جديد تبلغ سبع سنوات، على سبيل المثال.
كما أن الاعتماد على قاعدة صناعية أجنبية محفوف بالمخاطر: فإذا تورطت الولايات المتحدة في صراع في مكان آخر، فمن غير المرجح أن تُعطي الأولوية لصيانة الأنظمة الأمريكية الصنع في أوروبا.
لذلك، يتطلب البناء الجاد الاستثمار في الإنتاج الدفاعي الأوروبي، ولكن هذا يطرح عقبات أيضًا. إن صناعة الدفاع في أوروبا مجزأة وتعاني من التكرار المبذر.
ومع وجود شركات متعددة في بلدان مختلفة تنتج أنواعًا مختلفة من المعدات نفسها، انتهى الأمر بالقارة إلى نشر ما يقرب من ستة أضعاف عدد أنظمة الأسلحة الرئيسية، مثل الطائرات المقاتلة والدبابات القتالية وطائرات الهليكوبتر الهجومية، مقارنة بالولايات المتحدة.
لقد رعت العديد من الحكومات شركات الدفاع كأبطال وطنيين، والإنتاج المشترك عبر الحدود نادر. ونتيجة لذلك، فإن عددًا قليلًا من الشركات الأوروبية يندرج ضمن أكبر شركات الدفاع في العالم، وهي قائمة تهيمن عليها الشركات الأمريكية، وبدرجة أقل الشركات الصينية.
وحتى كبار اللاعبين الأوروبيين في مجال الدفاع، مثل شركة تاليس الفرنسية، وليوناردو الإيطالية، وراينميتال الألمانية، تبدو وكأنها عمليات متواضعة مقارنة بنظيراتها الأمريكية.
إن الزيادة الكبيرة والمنسقة في ميزانيات الدفاع، إلى جانب توسيع الوصول إلى رأس المال عبر الحدود الأوروبية، أمر ضروري لتوسيع وتقليل التشرذم في صناعة الدفاع الأوروبية.
وتنفق وزارة الدفاع الأمريكية أكثر من 800 مليار دولار كل عام، بما في ذلك ما يقرب من 300 مليار دولار على عمليات الاستحواذ.
وفي الوقت نفسه، تسعى مبادرة الدفاع "الاستعداد 2030" التابعة للاتحاد الأوروبي، والتي تم الكشف عنها في مارس، إلى الاستفادة من حوالي 175 مليار دولار من الاقتراض الذي يسهله الاتحاد الأوروبي من قبل الدول الأعضاء لتعبئة ما يصل إلى 940 مليار دولار من الاستثمارات، معظمها خاصة، في صناعة الدفاع الأوروبية.
ويخصص اقتراح الميزانية القادم للمفوضية الأوروبية 150 مليار دولار إضافية للدفاع على مدى سبع سنوات.
ومع ذلك، لا تزال هذه التعهدات غير كبيرة بما يكفي، وهي لا تعالج العقبات الأساسية أمام التوحيد الصناعي.
ودون حل كلتا المشكلتين، فإن أوروبا لديها فرصة ضئيلة للتعويض عن عقود من نقص الإنفاق على الدفاع.