تُعيد إيران بناء نفوذها الإقليمي الذي تعرّض لضربات مؤثرة منذ نحو عامين، كما تحاول طهران استعادة مخالبها بعد حرب قصيرة "قاسية" تعرّضت لها خلال 12 يوماً في يونيو/ حزيران الماضي، متلقية ضربات إسرائيلية وأمريكية غير مسبوقة في عمق أراضيها، وفق ما ذكره تقرير لشبكة "سي إن إن" الأمريكية.
وأنهى حلفاء طهران الحوثيون في اليمن أشهرًا من الهدوء في البحر الأحمر الأسبوع الماضي، بضربات على سفينتين تجاريتين كانتا تبحران في الممر المائي الحيوي. ويُشتبه في أن وكلاء إيران في العراق عطلوا إنتاج النفط في المنطقة الكردية، كما اعترضت القوات السورية شحنات من مئات الصواريخ المتجهة إلى حزب الله في لبنان خلال الأشهر الماضية.
وبحسب التقرير يعكس النشاط المتزايد للوكلاء عزمَ إيران على مواصلة دعم شبكة من الجماعات المسلحة التي لطالما اعتُبرت أساسية في استراتيجية طهران للردع، رغم فشلها في ردع الهجمات الإسرائيلية والأمريكية الأخيرة على الأراضي الإيرانية.
ويشير مايكل نايتس، الزميل البارز في معهد واشنطن والمتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران، إلى أن طهران تحاول من خلال تصعيد عمليات وكلائها في المنطقة إظهار أنها "موجودة وسالمة وفاعلة ولم يتغير أيّ شيء".
وفي الوقت الذي تعاني فيه إيران من خسارة شخصيات عسكرية رئيسة خلال حرب الـ 12 يومًا، فقد استمرت في تسليح الوكلاء؛ ما يشير إلى أنها لا تزال تنظر إليهم باعتبارهم أصلًا استراتيجيًّا لتوسيع نفوذها الإقليمي، وفق التقرير.
بعد أيام من إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، اعترضت قوات موالية للحكومة اليمنية سفينة تحمل 750 طنًّا من الصواريخ والمعدات العسكرية الإيرانية، بما في ذلك صواريخ ومحركات طائرات مسيرة وأنظمة رادار، في البحر الأحمر، في طريقها إلى الحوثيين.
واستخدم الحوثيون في اليمن أسلحة إيرانية لشن هجمات على كلٍّ من إسرائيل والسفن التجارية في البحر الأحمر، فقد كشفت عملية أسبيدس البحرية التابعة أن هجومًا على سفينة مملوكة لليونان الأسبوع الماضي أسفر عن مقتل أربعة من أفراد طاقمها وإصابة آخرين وفقدان 11 شخصًا.
قبل أيام من ذلك، استهدف الحوثيون ناقلة بضائع سائبة تحمل العلم الليبيري، "ماجيك سيز"، باستخدام قوارب مسيرة وصواريخ وطائرات مُسيّرة، فيما يبدو أن الهجمات، التي أغرقت السفينتين، تُظهر تصعيدًا في استخدام القوة، وهي الأولى المُسجلة هذا العام بعد أشهر من الهدوء في الممر المائي المزدحم.
على مدار الأشهر القليلة الماضية، صعّدت الجماعات المُشتبه في دعمها لإيران هجماتها على الحلفاء الغربيين في العراق؛ ما أدى إلى زعزعة استقرار إنتاج النفط في المنطقة الخاضعة لسيطرة الأكراد في البلاد.
وذكر عزيز أحمد، المسؤول في حكومة إقليم كردستان، يوم الأربعاء، أن خمسة حقول نفطية، بينها حقلان تُديرهما شركات أمريكية، تعرّضت لهجمات بطائرات مُسيّرة شنّتها "ميليشيات إجرامية" وفق تعبيره.
كما أكد المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان، بيشاوا هوراماني، أن هجمات الطائرات المسيرة "تهدف إلى تدمير البنية التحتية للطاقة" وضمان "عدم قدرة حكومة إقليم كردستان على إنتاج النفط والغاز، وبالتالي لا يمكنها استخدام ذلك كورقة ضغط في الاتفاقات أو الاعتماد عليه كمصدر للدخل".
وألقت وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان باللوم في الهجمات التي وقعت في وقت سابق من هذا الشهر على وحدات الحشد الشعبي، وهي قوة شبه عسكرية ذات أغلبية شيعية مدعومة من إيران ومقرها العراق.
سعى حزب الله، الحليف الرئيس لإيران في لبنان، إلى دعم حركة حماس في غزة بعد الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول بإطلاق صواريخ عابرة للحدود وفتح جبهة ثانية ضد إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، ضعفت الجماعة بشدة، ففقدت نفوذها المهيمن في لبنان، وتواجه مطالب داخلية وغربية متزايدة بنزع سلاحها، في ظل استهداف مقاتليها بغارات إسرائيلية شبه يومية.
قُتل زعيم الجماعة، حسن نصر الله، في غارة إسرائيلية العام الماضي، وفُقد طريق إمدادها الرئيس في سوريا بعد سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، الحليف الأساس لطهران، في ديسمبر/كانون الأول.
ومع ذلك، يؤكد مصدر إقليمي آخر بأن حزب الله قد يبدأ "بإعادة تنظيم صفوفه خلال الأسابيع المقبلة" خوفًا من تصعيد إسرائيلي، مضيفًا أن الحزب يشعر بأنه في "وضع وجودي" بسبب خسارة سوريا وتزايد الضغط الداخلي اللبناني.
استمرت محاولات إيران لإعادة تسليح حزب الله خلال العام الماضي، إذ صادرت الحكومة السورية الجديدة، التي تُعارض طهران بشدة، بضع شحنات أسلحة متجهة إلى لبنان، وفقًا لوزارة الداخلية.
وفي الشهر الماضي، أعلنت وزارة الداخلية السورية في بيان أنها أحبطت محاولة تهريب صواريخ كورنيت مضادة للدبابات، وهي من النوع ذاته الذي استخدمه حزب الله لاستهداف الدبابات الإسرائيلية في جنوب لبنان. وقالت الشرطة السورية إن الأسلحة كانت مخبأة في شاحنة تحمل خضراوات في ريف حمص، على الحدود مع لبنان.
وقال مسؤول حكومي سوري رفيع المستوى "نعترض الشحنات الإيرانية في كثير من الأحيان. يبدو أن معظمها يُجمع محليًّا ويُجمع في شحنات صغيرة لتهريبها إلى لبنان"، مضيفًا: "نشهد أيضًا أنشطة واضحة لإرسال الأموال إلى شبكات في سوريا عبر العراق".
وتأتي إعادة تسليح إيران للجماعات في الشرق الأوسط في الوقت الذي يُشير فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تراجع اهتمامه بالمفاوضات مع طهران.
ورفض علي لاريجاني، كبير مستشاري المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، فكرة أن المحادثات وشيكة وقلل من أهميتها.
ويقول الخبراء إن إعادة بناء الجماعات المسلحة الإقليمية واستعراض قدراتها التخريبية يمكن أن يكون بمثابة ورقة ضغط لإيران، حيث تتطلع إلى التفاوض من موقع قوة رغم خسائرها الأخيرة.