logo
العالم

الصين تقترب من مقعد القيادة.. هل تملأ بكين فراغ واشنطن في الأمم المتحدة؟

رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغالمصدر: رويترز

تشهد الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية نقاشات حادة حول مستقبل المنظمة ودورها في الحوكمة العالمية، وسط تداعيات السياسات الأمريكية المتقلبة خلال ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وصعود النفوذ الصيني كقوة محتملة لملء الفراغ الدولي.

وتثير التخفيضات الأمريكية في الميزانية، والتغيرات في التحالفات، والرسائل المتضاربة لكل من واشنطن وبكين، تساؤلات جوهرية حول قدرة الأمم المتحدة على الوفاء بمهمتها الأساسية بعد نحو ثمانين عامًا على تأسيسها، وفق صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ".

النفوذ الأمريكي المتراجع

لقد أدت سياسات ترامب غير التقليدية، بما في ذلك فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق، والانسحاب من اتفاقيات دولية مثل اتفاق باريس للمناخ ومجلس حقوق الإنسان، إلى زعزعة مكانة الولايات المتحدة داخل الأمم المتحدة.

ووفق خبراء، فإن تخفيض مساهمة واشنطن في الميزانية العادية للمنظمة بنسبة 80%، وخفض التمويل لعمليات حفظ السلام والبرامج التقديرية لعام 2026، ترك فجوة مالية وسياسية كبيرة.

ومع ذلك، يبدو ترامب حريصًا على استخدام منصة الأمم المتحدة لخدمة أهدافه الداخلية، بما في ذلك تعزيز شعارات "أمريكا أولًا"، وادعاء إسهاماته في حل الصراعات العالمية، مثل الوضع في الشرق الأوسط.

أخبار ذات علاقة

ترامب والشرع خلال لقائهما في الرياض

ترتيبات لعقد لقاء بين ترامب والشرع في الجمعية العامة للأمم المتحدة

وقال ترامب في تصريحات سابقة: "لقد أوقفت سبع حروب، وكانت كبيرة أيضًا"؛ فهذا التناقض بين الهجوم على التعددية العالمية والاعتماد على الأمم المتحدة كشاشة إعلامية يعكس نمط القيادة الأمريكية الذي يجمع بين العزوف عن الالتزامات التقليدية والانتهازية السياسية.

استراتيجية التماسك والاعتدال

وعلى الجانب الآخر، لم تندفع الصين سريعًا لملء الفراغ الأمريكي، بل تبنّت نهجًا محسوبًا يعكس رغبتها في تصوير نفسها كقوة استقرار.

وفي خطابه المرتقب في الجمعية العامة، من المتوقع أن يكرر رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ الرسائل التقليدية حول أهمية التعددية، وتمكين دول الجنوب، وإصلاح المنظمة دون تفكيكها.

وتتيح هذه الاستراتيجية لبكين الاستفادة من النفوذ الدولي دون الانخراط في التوترات المباشرة؛ إذ تعتمد الصين نهجًا انتقائيًا في تمويل برامج الأمم المتحدة، مستثمرة في مجالات التكنولوجيا، وحفظ السلام، والتنمية، مع الحد من الدعم للبرامج الإنسانية واسعة النطاق.

وتتيح لها العضوية في مجلس الأمن وحق النقض التعاون مع روسيا لتعطيل المبادرات الغربية في حقوق الإنسان، مع تعزيز مصالحها الاقتصادية والتكنولوجية عالميًا.

الأمم المتحدة على مفترق طرق

تؤدي التخفيضات الأمريكية الجذرية إلى نقاش وجودي حول دور الأمم المتحدة وفعاليتها، إذ ازدادت الانتقادات لعجز المنظمة عن حشد توافق عالمي حول قضايا أساسية، مثل المناخ، والأمراض، وحل النزاعات في أوكرانيا وغزة وسوريا والسودان وغيرها.

أخبار ذات علاقة

متظاهرون يحملون العلم الفلسطيني في إسبانيا

غزة وأوكرانيا وإيران.. ملفات معقدة في أروقة الأمم المتحدة

وأعلن الأمين العام أنطونيو غوتيريش عن خطة "UN80" لتقليص عدد الموظفين والميزانية بنحو 20%، ومراجعة آلاف التفويضات القديمة، وتحريك بعض الوكالات إلى مدن أقل تكلفة.

ويرى بعض المحللين أن هذه الأزمة تشكل فرصة لإصلاح شامل، يعكس الواقع الجيوسياسي الحالي ويزيد من فعالية الأمم المتحدة.

فقد قالت أيرينا تسوكرمان، رئيسة شركة استشارات استراتيجية، إن الصين وواشنطن قد تتفقان على إعادة الهيكلة إذا تمكنا من تجنب تسجيل نقاط ضد بعضهما البعض، إلا أن العقبة الحقيقية تكمن في تنوع مصالح 191 دولة عضو.

الفراغ الأمريكي.. فرصة وتعقيد للصين

مع تراجع التمويل الأمريكي، يتجه العديد من الأعضاء نحو الصين للحصول على الدعم، إذ تمثل بكين نحو 20% من الميزانية العادية للمنظمة مقارنة بـ22% للولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن الصين لم تسعَ بشكل مباشر لملء الفراغ المالي والسياسي، بل اكتفت بخطوات استراتيجية محدودة، مثل الإعلان عن مساهمة 500 مليون دولار خلال خمس سنوات لمنظمة الصحة العالمية.

ورغم الحذر الصيني، فإن الفراغ النسبي في النفوذ الأمريكي أتاح لبكين تعزيز حضورها في المناصب القيادية داخل الأمم المتحدة، بما في ذلك مناصب رفيعة في هيئات التنمية ووضع المعايير، وزيادة دورها كطرف مؤثر في دعم دول الجنوب.

أخبار ذات علاقة

دونالد ترامب

لا يكف عن انتقادها.. ترامب يخطط للترويج لـ"إنجازاته" عبر الأمم المتحدة

ووفق المحللين، فإن هذا النفوذ المتنامي يتيح للصين الموازنة بين تعزيز صورتها الدولية وتجنب استعداء الولايات المتحدة قبل أي لقاء محتمل بين ترامب وشي جين بينج.

وتشير الأحداث الحالية إلى أن الأمم المتحدة تواجه مرحلة حرجة من إعادة التقييم، مع تقلص النفوذ الأمريكي المتوارث عن الحقبة السابقة، وصعود دور صيني متأنٍ يركز على الاستقرار والتأثير غير المباشر.

وبينما يحافظ ترامب على حضور إعلامي ونسبي داخل الجمعية العامة، تبدو بكين في وضع يمكّنها من زيادة نفوذها عبر أدوات غير مكلفة نسبياً، مثل استخدام الحق في النقض، وتعزيز تكتلات الجنوب العالمي، ودعم مبادرات تقنية وتنموية استراتيجية.

وفي هذا السياق، قد يشهد العالم تحولاً تدريجياً في موازين القوة داخل الأمم المتحدة، دون أن تفقد المنظمة أهميتها كمنصة للحوار متعدد الأطراف، لكنها ستضطر لمواءمة أهدافها مع واقع التمويل والسياسات الدولية المتقلبة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC