أصدر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، خلال جولته الأوروبية الحالية تصريحًا لافتًا عن المسار التفاوضي الذي تخوضه إدارة دونالد ترامب للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا.
روبيو وقبل لقائه نظراءه الأوروبيين وفي تصريح غير مألوف في لهجته ومحتواه قال إن الرئيس ترامب قضى الـ78 يومًا الأولى من عمر إدارته في سعي متواصل وعلى أعلى المستويات في محاولة لتحقيق اتفاق في أوكرانيا، لكن الأمور على الأرض لا تسير بالشكل الصحيح.
روبيو الذي ابتعد لوقت غير بسيط عن التصريحات العلنية في كل ما يرتبط بالمسار التفاوضي الذي يخوضه ترامب شخصيًا مع نظرائه الأوكرانيين والروس بصورة غير مباشرة وعبر سلسلة لقاءات موازية مع شركاء أوروبيين ودوليين، قال إن الأيام القليلة القادمة سوف تكون حاسمة.
وأضاف: "في حال عدم التوصل إلى إجابات محددة سوف يكون على هذه الإدارة التحرك إلى الأمام والعناية بقضايا أخرى بدلًا من التركيز على جهود التوصل إلى تسوية في أوكرانيا، والتي يبدو أنها غير ممكنة في ظل المواقف الصادرة عن طرفي الأزمة في الوقت الحاضر".
تصريح كبير الدبلوماسيين في إدارة الرئيس ترامب يظهر معطيات جديدة على السطح، ومنها أن ملف التسوية في أوكرانيا بدأ يتضح جليًا لهذه الإدارة، وأن معطياته على الأرض مخالفة تمامًا لتلك التصريحات المتفائلة جدًا التي كان ترامب قد أطلقها خلال حملته الانتخابية، ولعامين كاملين من أنه قادر على إنهاء الحرب في كييف خلال الأربع والعشرين ساعة الأولى من وجوده في البيت الأبيض، إضافة إلى تجديد التأكيد على قدرته لتحقيق هذا الإنجاز خلال المئة يوم الأولى من عمر إدارته.
ترامب وقبل أقل من أسبوعين من انتهاء فترة المئة يوم الأولى يظهر جليًا أن جهود إدارته التفاوضية مع موسكو وكييف والشركاء الأوروبيين هي أبعد ما تكون عن تحقيق تقدم حقيقي في المفاوضات المرتبطة بوقف لإطلاق النار في هذه الحرب كخطوة أولى قبل الحديث عن خطة أو إطار عمل لاتفاق محتمل بين طرفي النزاع في الحرب التي أنهت عامها الثاني وبدأت للتو عامها الثالث.
هذا التحول الذي تحدث عنه روبيو يظهر كذلك ذلك التوجه الجديد في حسابات الإدارة التي احتفظ فيها البيت الأبيض بصورة كاملة بحق إدارة ملف الحرب في كييف، سواء من خلال تعامل الرئيس ترامب المباشر مع الأطراف المعنية من خلال استقبال الزعماء الأوروبيين في البيت الأبيض في صورة الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني والمستشار الألماني.
وبين هذه السلسلة من الاستقبالات كان ذلك اللقاء العاصف للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والذي شكل نقطة تحول حقيقية في جهود هذه الإدارة رغم تلك المحاولات المتكررة التي أعقبت اللقاء والتي يسعى فيها الطرفان إلى إصلاح العطب وطرح فكرة العودة مجددًا إلى علاقات طبيعية بين البيت الأبيض والرئيس الأوكراني، لكن ذلك لم يحدث على الأقل في الصورة العلنية.
البيت الأبيض لم يقطع سلسلة اللقاءات المباشرة للقادة الأوروبيين مع ترامب، في محاولة لتهدئة المخاوف الأوروبية من المسار الانفرادي الذي اختاره الرئيس في التعامل مع موضوع الحرب في أوكرانيا.
كما لم تنجح هذه السلسلة في تقريب وجهات النظر الأوروبية الأمريكية في الموقف من روسيا، وتحديدًا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإمكانية الوثوق في التزاماته السياسية والعسكرية وفي الالتزام بعهوده القديمة الجديدة كما يقول عنها الأوروبيون.
الأوروبيون وتبعًا لذلك راحوا يعلنون عن سياسات أمنية ودفاعية جديدة بعيدًا عن علاقة التحالف التقليدية والتاريخية العميقة المتجذرة مع الولايات المتحدة.
ولكن الأكثر أهمية من ذلك هو إعلان هؤلاء بصورة فردية وجماعية عن مبادرات مساعدات مالية وعسكرية جديدة لأوكرانيا أظهرت أن الموقف الأوروبي بعيد تمامًا عن التماهي مع وجهات نظر الإدارة الحالية بواشنطن.
روبيو وهو يتحدث عن احتمال انسحاب الإدارة الحالية من جهود الوساطة في أوكرانيا عاد هذه المرة إلى الإشارة الإيجابية إلى طبيعة لقاءاته مع نظرائه الأوروبيين بقوله إن أحاديثه إلى نظرائه الأوروبيين كانت مفيدة جدًا، وهو أمر لم يكن مطروحًا في الفترة السابقة بالنظر إلى خيار إدارة ترامب بالذهاب بعيدًا في مسار التفاوض مع موسكو وحدها ومن دون مراعاة الحسابات والرغبات لدى الحلفاء في الضفة الأخرى من الأطلسي.
وإلى وقت قريب كان الملف الأوكراني يدار بصورة مباشرة من البيت الأبيض فبالإضافة إلى جهود الرئيس الأمريكي من خلال الاتصالات الهاتفية مع الرئيس الروسي والرئيس الأوكراني قرر ترامب الاعتماد على مبعوثه الرئاسي الخاص ستيف ويتكوف ليكون الطرف المتحدث باسم الإدارة الأمريكية من خلال سلسلة الزيارات التي قادته إلى موسكو وإلى كييف وإلى العواصم الأوروبية.
ويتكوف الذي يوصف بأنه رجل الثقة الأول في البيت الأبيض بالنسبة للرئيس ترامب، والذي عادة ما يكلف بجميع الملفات المعقدة والتفاوض والتفاصيل ومنها على التوالي ملف الحرب في غزة وملف الرهائن المحتجزين لدى حماس وملف جنوب لبنان، وبعد ذلك ملف أوكرانيا قبل أن يكلفه ترامب مرة أخرى بملف المفاوضات الإيرانية المرتبطة بملف طهران النووي.
في واشنطن يقول مقربون من إدارة ترامب لـ"إرم نيوز" إن هذه الخيارات التي يعتمدها ترامب تشير إلى استئثار البيت الأبيض بملف التفاوض مع أوكرانيا بصورة كاملة ومباشرة، خاصة بالنظر إلى ذلك الدور الذي أوكل إلى نائب الرئيس جي دي فانس في المسار التفاوضي، وخلال لقاءات الرئيس ترامب بزوار البيت الأبيض الأوروبيين، وكذلك أيضًا الرئيس الأوكراني.
والظهور القوي لوزير الخارجية ماركو روبيو بهذا التصريح اللافت وفي هذا التوقيت تحديدًا يقول المقربون إنه عودة لوزارة الخارجية إلى ممارسة مهامها التقليدية في إدارة الملفات التفاوضية المعقدة، خاصة ملف الحرب في أوكرانيا الذي كان موكلًا بالكامل إلى وزير الخارجية في الإدارة السابقة، على عكس ما هو عليه الأمر في الإدارة الحالية.
روبيو الذي يقول عن دوره في المرحلة الماضية دبلوماسيون مطلعون إنه كان الجلوس في المقعد الخلفي ومتابعة التطورات من موقعه القريب، والمراقب انتهى أخيرًا إلى إعلان التقييم الذي انتهت إليه الإدارة من أن الاستمرار في الجهود الحالية لأجل التوصل إلى إنجاز في أوكرانيا سوف يشكل جهدًا ضائعًا من قبل هذه الإدارة.
ولذلك سيكون واحدًا من الخيارات المطروحة على الطاولة في الساعات القادمة إعلان قرار تجميد الجهود الأمريكية في مفاوضات أوكرانيا، وربما نقل الملف من حالة المستعجل إلى خانة الملفات التي تترك لتطورات الأحداث على الأرض، ورغبة الأطراف المعنية في التوصل إلى حلول سريعة تتماشى ورغبة الرئيس ترامب في التوصل إلى إنجاز سريع.
الجمهوريون في الكونغرس ليسوا جميعًا على وفاق مع رؤية الرئيس ترامب فيما يتعلق بالمسار التفاوضي مع روسيا.
ولا يخفي بعضهم أن المقاربة التي تقدمها الإدارة الحالية تشكل ضغوطًا هائلة على أوكرانيا في مقابل ضغوط أقل على روسيا، وهو الأمر الذي يجعل من الطرف الضحية في هذه الحرب هو من يتحمل تبعات التوصل إلى أي اتفاق محتمل بين طرفي الحرب.
هذا التصور الذي يقول به مشرعون جمهوريون يستندون فيه إلى أن إطار الاتفاق لوقف إطلاق النار كان التوصل إليه أسرع مع الجانب الأوكراني قبل أن تتم مناقشته مع الجانب الروسي.
ومع ذلك لم تكن النتائج مرضية بالكامل في مرحلة التفاوض مع موسكو.
الأمر الاستراتيجي الآخر الذي يثيره الجمهوريون هو مستقبل العلاقة مع الحلفاء الأوروبيين في ظل التباعد الأوروبي الأمريكي في ملف أوكرانيا على حساب شعور متنام لدى الأوروبيين بأن واشنطن في المرحلة الحالية لا ترى في تحالفها التقليدي مع شركائها الأوروبيين مسالة مركزية في سياساتها الدفاعية أو على الأقل في رؤيتها لتسوية محتملة في أوكرانيا.
في مقابل ذلك لا يتردد الديمقراطيون في إظهار انتصارهم السياسي في المقاربة التي قدموها للحرب في أوكرانيا منذ بدايتها من حيث أن معالجة هذا الملف على الأرض تختلف تمامًا عن تصريحات الحملات الانتخابية.
أضف إلى ذلك أن تغليب الشراكة مع أوروبا كانت مركز استراتيجية الديموقراطيين خلال وجودهم في البيت الأبيض وخلال فترة حيازتهم للأغلبية في الغرفة الثانية في الكونغرس، وأن ذلك التوجه في تلك المرحلة كان يجد تأييدًا مطلقًا من المشرعين الجمهوريين في مبنى الكابيتول.