مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
في خضم سباق القوى الكبرى لتأمين الموارد الأساسية لمستقبل الاقتصاد الأخضر والتكنولوجي، تبرز أفريقيا كمحور رئيس في خريطة المعادن الحيوية التي يعتمد عليها العالم لتشغيل السيارات الكهربائية، وتخزين الطاقة، وتصنيع الشرائح الدقيقة.
وتقدّر احتياطيات القارة السمراء بنحو 30% من إجمالي احتياطي المعادن الحيوية في العالم، ما يجعلها مركزًا لا غنى عنه في إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية.
وتدرك الولايات المتحدة أهمية هذا الواقع الجديد، وتسعى عبر غرفة التجارة الأمريكية، ومركز الأعمال الأمريكي الأفريقي، إلى تحويل العلاقة مع القارة من علاقة "مساعدات" إلى شراكة استراتيجية قائمة على الاستثمار والتكامل الصناعي.
وفي منتدى "المعادن الحرجة" الذي استضافته غرفة التجارة في واشنطن أخيرًا، اجتمع وزراء أفارقة ومسؤولون أمريكيون وخبراء من القطاع الخاص لإطلاق ورقة بيضاء بعنوان "الأرضية الاستراتيجية"، ترسم معالم التعاون الأمريكي الأفريقي في مجال المعادن الحيوية.
شراكة متوازنة
أشار واين وول، المساعد الخاص للرئيس الأمريكي والمدير الأول لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس الأمن القومي، إلى أن واشنطن تنظر إلى أفريقيا، اليوم، "كشريك متساوٍ في التقدم لا كدولة تابعة".
وتعكس هذه الرسالة التحول في منهج الولايات المتحدة تجاه القارة، إذ بات التركيز منصبًا على خلق شراكات اقتصادية طويلة الأمد، تضمن بناء سلاسل توريد مرنة وآمنة في مواجهة الاعتماد المفرط على الصين ودول أخرى تحتكر إنتاج المعادن الأساسية.
وتسعى الولايات المتحدة من خلال هذا التوجه إلى تحقيق هدفين متكاملين: تعزيز أمنها الاقتصادي والتكنولوجي عبر تنويع مصادر الإمداد بالمعادن الحيوية، مثل: الليثيوم، والكوبالت، والنيكل.
إضافة إلى تحفيز التنمية الأفريقية المستدامة عبر دعم التصنيع المحلي، وبناء القدرات في مجالات المعالجة والتكرير، وتطوير البنية التحتية الداعمة مثل شبكات النقل، والطاقة.
تمثل الورقة البيضاء الجديدة خريطة طريق عملية، إذ تقترح مواءمة أدوات السياسة الأمريكية لدعم الاستثمارات الصناعية في أفريقيا، وتقديم ضمانات لتقليل مخاطر التمويل، وتعزيز الشفافية الحكومية.
كما تركز على القيمة المضافة محليًا بدلاً من الاكتفاء بتصدير المواد الخام، بما يسمح بخلق وظائف جديدة، وتحفيز سلاسل إنتاج إقليمية متكاملة داخل القارة.
سباق عالمي
في ظل تصاعد المنافسة مع الصين وروسيا على موارد الطاقة والمعادن، تتعامل واشنطن مع ملف المعادن الحيوية باعتباره قضية أمن قومي؛ إذ تسيطر بكين، حاليًا، على أكثر من 70% من عمليات التكرير والمعالجة عالميًا، ما يمنحها نفوذًا هائلًا على الصناعات المستقبلية، من البطاريات إلى الذكاء الاصطناعي.
لذلك، تُعدّ الشراكة الأمريكية الأفريقية محاولة استراتيجية لكسر هذه الهيمنة، وخلق بديل يعتمد على اقتصاد السوق والتعاون بين القطاعين العام والخاص.
وفي هذا السياق، تؤدي مجموعة عمل المعادن الحيوية الأفريقية، التابعة لغرفة التجارة الأمريكية، دورًا محوريًا في ربط الشركات الأمريكية بالمشاريع الأفريقية الواعدة، ودعم سياسات “فتح الأسواق” التي تتيح تدفق الاستثمارات والتكنولوجيا.
كما تهدف المجموعة إلى تمكين الدول الأفريقية من الانتقال من مجرد استخراج المعادن إلى بناء مراكز إقليمية للمعالجة والتصنيع، وهو ما يمثل نقلة نوعية في النموذج الاقتصادي للقارة.
ويرى الخبراء أن الشراكة الأمريكية الأفريقية تمثل فرصة تاريخية لإعادة توزيع موازين القوة الاقتصادية العالمية؛ فإذا تمكن الطرفان من تحويل الثروة المعدنية الأفريقية إلى قيمة اقتصادية ملموسة، فقد يشهد العالم نشوء محور جديد من النمو والابتكار الصناعي.
وستكون النتيجة المحتملة نظامًا تجاريًا أكثر تنوعًا واستقرارًا، يقل فيه الاعتماد على عدد محدود من الموردين، وتزداد فيه الفرص أمام الدول النامية للاندماج في سلاسل القيمة العالمية.
في النهاية، يتجاوز التعاون بين الولايات المتحدة وأفريقيا في المعادن الحيوية مجرد اتفاقات اقتصادية، فهو رؤية استراتيجية لبناء شراكة متكافئة توازن بين مصالح الأمن القومي الأمريكي، وحاجات التنمية الأفريقية.
وإذا ما أُحسن تنفيذها، فقد تشكل هذه الشراكة نقطة تحول في مستقبل الاقتصاد العالمي، تُطلق عصرًا جديدًا من الازدهار المشترك والابتكار الصناعي القائم على الموارد الأفريقية.