logo
العالم

التكنولوجيا الدفاعية وأشباه الموصلات.. شراكة جديدة بين ماليزيا وجنوب أفريقيا

رئيس الوزراء الماليزي ورئيس جنوب أفريقياالمصدر: غيتي إيمجز

في مشهد يعكس التحولات العميقة في العلاقات بين بلدان الجنوب العالمي، اتفقت جنوب أفريقيا وماليزيا على توسيع التعاون الاستراتيجي بينهما في مجالات التكنولوجيا والدفاع والطاقة، في خطوة تعزز مساعي الطرفين للتموضع داخل النظام الدولي المتعدد الأقطاب. 

وبحسب موقع "Radar Africa"، فقد جاء الاتفاق عقب مباحثات جمعت الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا برئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم في كوالالمبور، على هامش القمة السابعة والأربعين لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).

شراكة استراتيجية

لم يقتصر الاتفاق الجديد بين البلدين على الجوانب التجارية أو التقنية، بل شمل إعادة تنشيط لجنة الدفاع المشتركة (DEFCOM) باعتبارها المنصة الرئيسية للتنسيق بين وزارتي الدفاع في البلدين. 

ومن المتوقع أن تبدأ أعمال اللجنة في عام 2026، بما يفتح الباب أمام مشروعات تدريب ومناورات عسكرية مشتركة وتبادل الخبرات في مجالات العلوم والتكنولوجيا الدفاعية، وصيانة المعدات العسكرية وتطويرها.

أخبار ذات علاقة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

قوة ثالثة وعملاق اقتصادي.. لماذا يتمسك الجنوب العالمي بروسيا؟

ويبدو أن هذا التحول في العلاقات الثنائية يعكس إدراكًا متزايدًا لدى كوالالمبور وبريتوريا بأن أمن التكنولوجيا والدفاع أصبح جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي والاقتصادي. 

ومن خلال تعزيز هذه الشراكة، تسعى ماليزيا إلى تنويع مصادرها الدفاعية بعيدًا عن الموردين التقليديين في الغرب، فيما ترغب جنوب أفريقيا في استعادة دورها كمصدر رئيسي للخبرة الدفاعية في القارة الأفريقية.

وأشار البيان المشترك بوضوح إلى أن التعاون بين الجانبين سيمتد ليشمل القطاعات التقنية الناشئة، وعلى رأسها صناعة أشباه الموصلات، والطاقة النظيفة، والهيدروجين الأخضر. 

وتشكل هذه القطاعات ركيزة أساسية في خطط البلدين للتحول الاقتصادي المستدام وجذب الاستثمارات الأجنبية ذات القيمة المضافة العالية.

كما أبدت جنوب أفريقيا اهتمامًا بتوسيع صادراتها من الحديد والمعادن ومكونات الطائرات والمركبات الفضائية والآلات الثقيلة إلى ماليزيا، بينما شجعت الأخيرة الشركات الوطنية على الاستثمار في البنية التحتية للطاقة والتوزيع والتخزين في أفريقيا. 

وسيعزز هذا التبادل من موقع البلدين كمحورين صناعيين وتقنيين متكاملين بين القارة الأفريقية وجنوب شرق آسيا.

وتشير تقديرات خبراء التجارة الدولية إلى أن مثل هذا التعاون يمكن أن يفتح الباب أمام شبكات إنتاج مشتركة تمتد من جوهانسبرغ إلى بينانغ، ما يعزز قدرة الجنوب العالمي على إنتاج التكنولوجيا بدلًا من استيرادها.

رؤية جيوسياسية

تكتسب هذه الخطوة أبعادًا جيوسياسية أوسع في ظل تزايد التحولات في النظام الدولي؛ فماليزيا وجنوب أفريقيا، وكلاهما عضو فاعل في مجموعة البريكس، تسعيان إلى بناء شبكات تعاون جنوب–جنوب تتجاوز الإطار التقليدي للعلاقات مع الغرب.

أخبار ذات علاقة

الرئيس الصيني شي جين بينغ

"نيويورك تايمز": الصين تُقدّم نفسها كمدافع عن الجنوب العالمي

وفي وقت تواجه فيه القارة الأفريقية تحديات اقتصادية وضغوطًا من القوى الكبرى المتنافسة على مواردها، فإن كوالالمبور تقدم نموذجًا لشريك آسيوي لا يعتمد على الهيمنة أو الإملاء السياسي، بل على التكامل الاقتصادي ونقل التكنولوجيا. 

بالمقابل، ترى ماليزيا في جنوب أفريقيا بوابة رئيسية إلى الأسواق الأفريقية ومصدرًا موثوقًا للمعادن والمواد الخام التي تحتاجها صناعاتها التكنولوجية.

ويمكن لهذه الشراكة الناشئة أن تتحول إلى محور استراتيجي جديد يربط بين أفريقيا وجنوب شرق آسيا، في مواجهة مراكز القوة التقليدية في الشمال الصناعي؛ فالتقارب الماليزي–الجنوب أفريقي لا يُقرأ فقط في سياق التعاون الاقتصادي، بل كجزء من إعادة توزيع النفوذ في النظام الدولي المتعدد الأقطاب.

وتمثل زيارة الرئيس رامافوزا إلى ماليزيا، التي تستمر أربعة أيام، أكثر من مجرد مناسبة دبلوماسية؛ كما أنها إعلان عن مرحلة جديدة من الاصطفاف الاقتصادي والتكنولوجي بين دول الجنوب العالمي، في وقت تتسارع فيه التحولات في مجالات الطاقة والذكاء الاصطناعي والدفاع.

وإذا نجح البلدان في تحويل مذكرات التفاهم إلى مشاريع ملموسة، فقد يشكل هذا التعاون نموذجًا لما يمكن أن تكون عليه شراكات الجنوب–الجنوب في القرن الحادي والعشرين: قائمة على المصالح المتبادلة، ونقل المعرفة، وتقليل الاعتماد على القوى الكبرى.

بهذا، لا تضع كوالالمبور وبريتوريا فقط أسس تعاون ثنائي، بل ترسمان ملامح جغرافيا سياسية جديدة يتقاطع فيها الاقتصاد بالتكنولوجيا، والدفاع بالتنمية، في فضاء دولي يتغير بوتيرة غير مسبوقة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC