الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض طائرتين مسيّرتيْن تم إطلاقهما من اليمن
سارعت الحكومة الألمانية، التي تشكلت الشهر الماضي، إلى تشديد سياسات الهجرة تنفيذا لوعود انتخابية قدمها المتنافسون لناخبيهم خلال حملات الانتخابات المبكرة التي جرت في فبراير، وهو ما قد يفضي إلى تصادم بين السلطتين: التنفيذية والقضائية.
وشكل ملف الهجرة محورا أساسيا في مفاوضات الائتلاف الحكومي الذي يقود البلاد والمكون من الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وشقيقه الأصغر الاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري (ويسميا معا التحالف المسيحي) والحزب الاشتراكي الديمقراطي.
وتقوم فلسفة الائتلاف على أن التحرك بشأن الهجرة، هو السبيل الوحيد لوضع حد لصعود اليمين المتطرف، فقد شهدت الانتخابات تحقيق حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتشدد أفضل نتيجة له على الإطلاق بلغت أكثر من 20 في المئة، ليحتل المرتبة الثانية على مستوى البلاد، علما أنه تأسس في 2013.
ومن المعروف أن برنامج اليمين المتطرف، الذي يحظى برضا شريحة واسعة من الألمان، قائم على تقييد سياسات الهجرة، لذلك سعت الأحزاب التقليدية إلى رفع الشعارات ذاتها كي ترفع رصيدها، وتقطع الطريق أمام صعود اليمين.
ومن هنا، ووفقا لخبراء، يمكن تفسير الإجراءات السريعة التي أقدمت عليها الحكومة الألمانية بقيادة المستشار المحافظ فريدريش ميرتس.
ومن بين أبرز هذه الإجراءات موافقة الحكومة على فرض قيود على لم شمل العائلات لبعض الفئات من اللاجئين ممن منحوا ما يسمى "الحماية الثانوية"، الذين يسمح لهم بالبقاء في البلاد خوفا من خطر الاضطهاد السياسي في أوطانهم، رغم عدم حصولهم على وضع "لاجئ رسمي".
وهناك ما يقرب من 400 ألف مقيم يتمتعون بوضع الحماية الفرعية، ولن يسمح لهؤلاء بعد الآن بإحضار أفراد عائلاتهم إلى ألمانيا لفترة أولية مدتها عامان، قد تمدد لاحقا.
وألغت الحكومة كذلك خيار التجنيس "السريع" بعد ثلاث سنوات من الإقامة وتمديد فترة الانتظار إلى خمس سنوات.
وفي العام الماضي، شهدت ألمانيا نحو 200 ألف حالة تجنيس، وهو أعلى رقم في 25 عاما.
ووسط هذا الاهتمام بقضية اللجوء، وإصدار قرارات وتطبيق إجراءات، فإن ما أثار الجدل هو إصرار الحكومة الألمانية على إعادة طالبي اللجوء عند الحدود، إذ دخل القضاء على الخط واعتبر ذلك إجراء غير قانوني.
وأصدرت محكمة برلين الإدارية قرارا أمس الاثنين يفيد بأنه "لا يمكن إعادة الأشخاص الذين يعربون عن رغبتهم في طلب اللجوء وهم عند نقطة تفتيش حدودية في الأراضي الألمانية" قبل أن يتم تحديد الدولة المسؤولة عن معالجة الطلب بناء على نظام "دبلن".
ووفقا لنظام "دبلن"، يتعيّن تسجيل المهاجرين غير النظاميين في أول دولة في الاتحاد الأوروبي يدخلون إليها. وفي حال توجّهوا إلى بلد آخر ضمن التكتل، فيمكن في معظم الحالات إعادتهم إلى أول نقطة دخلوا منها إلى الاتحاد الأوروبي.
ورفضت المحكمة حجّة الحكومة بأنه يمكن تجاوز نظام "دبلن" إذا كان الأمر ضروريا "للمحافظة على النظام العام وحماية الأمن الداخلي".
وجاء قرار محكمة برلين بعد طعن تقدّم به ثلاثة صوماليين مروا بتدقيق للهجرة عند محطة قطارات عند الحدود البولندية في أيار/مايو، الفائت، وعبّروا عن رغبتهم في طلب اللجوء، لكنهم أُعيدوا إلى بولندا في اليوم ذاته.
جدل حكومي/قضائي
وما إن أصدرت المحكمة قرارها حتى سارعت الحكومة الألمانية إلى التأكيد بأنها ستواصل سياستها القائمة على إعادة طالبي اللجوء عند حدودها رغم الحكم القضائي الرافض.
وأكد المستشار ميرتس أن الحكومة ستواصل سياستها في رفض دخول المهاجرين غير الموثقين عند الحدود، مشيرًا إلى أن الحكم القضائي "قد يحد من بعض الإجراءات، لكنه لن يوقف الجهود المبذولة لحماية الأمن الوطني وتخفيف العبء عن المجتمعات المحلية".
من جانبه، أكد وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبرنت بعد ساعات على صدور القرار القضائي "سنواصل إعادة" المهاجرين، مضيفا: "نعتقد أن لدينا المبرر القانوني لذلك".
ويرى خبراء أن هذا الإصرار الحكومي على إعادة طالبي اللجوء عند الحدود، رغم الحكم القضائي، يُظهر توترًا بين السلطتين التنفيذية والقضائية، ففي حين تؤكد المحاكم على ضرورة الالتزام بالقوانين الأوروبية والإنسانية، تواصل الحكومة تنفيذ سياسات قد تتعارض مع هذه القوانين.
ويوضح الخبراء أن صدور أحكام قضائية ملزمة تقول إن ذلك مخالف للقانونين الألماني والأوروبي، فهذا يعني أن الحكومة تتجاهل السلطة القضائية، ما يُعتبر انتهاكًا لمبدأ الفصل بين السلطات، وهو من أسس النظام الدستوري في ألمانيا.
ويحذر خبراء من أن استمرار الحكومة في تجاهل الأحكام القضائية قد يؤدي إلى أزمة دستورية في البلاد، مشيرين إلى أن هذا الوضع قد يؤدي إلى تدخلات من المحكمة الدستورية الفيدرالية، التي يحق لها أن تصدر حكمًا يُبطل قرارات الحكومة ويُلزمها بتغيير سياستها.
ويوضح الخبراء أنه في حال رفضت الحكومة الامتثال، فإن ذلك سيدخلها في "مواجهة مؤسسية" لها تداعيات سلبية، إذ إن مصداقية النظام السياسي ستكون على المحك.
وإذا وقع مثل هذا السيناريو، فإن أحزاب المعارضة ستطالب بتحقيقات وتطبيق إجراءات مساءلة قد تصل إلى حد المطالبة بـ "سحب الثقة من الحكومة".
تقويض "شنغن"
علاوة على هذا الإرباك الداخلي المحتمل، من المتوقع أن تصدر انتقادات من قبل منظمات حقوقية، وهو ما قد يعد "صفعة" لسجل برلين "المشرّف" باعتراف مراقبين، في ملف اللجوء وحقوق الإنسان.
ويرجح خبراء أن تستمر الضغوط على الحكومة لمراجعة سياساتها بما يتوافق مع القوانين الأوروبية والدولية، ذلك أن سياسة إعادة المهاجرين عند الحدود الألمانية لم تربك المشهد السياسي في البلاد فحسب، بل أثارت امتعاض دول الجوار كذلك، إذ برزت مخاوف من تأثيراتها السلبية على التنقل عبر الحدود ضمن منطقة "شنغن"، التي تتباهى بها القارة.
وأفادت "فرانس برس" أمس الاثنين، بأن السفارة الفرنسية لدى برلين بعثت رسالة إلى الحكومة الألمانية طلبت فيها توضيحات بشأن سياسة الهجرة، فيما وصفت وارسو الإجراءات الألمانية بأنها "غير مقبولة"، مشيرة إلى أن هذه الخطوات تعكس مشاكل داخلية ألمانية أكثر من كونها استجابة لمشكلة الهجرة.
النمسا من جانبها أعلنت أنها لن تقبل أي مهاجرين يتم إعادتهم من ألمانيا، معتبرة أن هذه السياسة الألمانية غير قانونية، فيما انتقدت أثينا بشدة إعادة ألمانيا للضوابط الحدودية.
ويستنتج خبراء أن هذه التوترات الدبلوماسية بشأن إعادة طالبي اللجوء عند الحدود الألمانية، تعكس تحديات مسألة الهجرة، وتسلط الضوء على الحاجة إلى حلول أوروبية مشتركة تكون منسجمة مع تقاليد القارة في ملف الحريات وحقوق الإنسان.