بعد 3 أسابيع فقط من إعلان البيت الأبيض عن وقف إطلاق النار بين تايلاند وكمبوديا، عاد الجاران إلى تبادل الاتهامات وانعدام الثقة، بعد انفجار لغم أرضي في مقاطعة سيساكيت أسفر عن إصابة عدد من الجنود التايلانديين بجروح.
وقد أثبت تعليق تايلاند لاتفاقية السلام أن الهدنة، التي وُلدت تحت ضغط سياسي واقتصادي خارجي، كانت هشّة منذ البداية.
وبحسب صحيفة "آسيا تايمز"، فإن الاتفاق الذي تم توقيعه في قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لعام 2025، وبوساطة رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم، اعتمد بدرجة كبيرة على النفوذ الخارجي، خاصة تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على الحكومتين، بدلًا من بناء الثقة المستدامة بين الأطراف المتنازعة.
ومع أن الاتفاق تضمن بنودًا طموحة مثل سحب الأسلحة الثقيلة، وإزالة الألغام المشتركة، وتبادل الأسرى، إلا أن الجيشين لم يكونا على ثقة كافية في قيادة الطرف الآخر، بينما بقيت المطالبات الإقليمية القديمة والمشاعر القومية والتنافس السياسي دون معالجة.
الضغوط الاقتصادية والسياسية تفاقم الانهيار
كان للتأثير الاقتصادي للولايات المتحدة دور مزدوج في الاتفاق؛ ففي اليوم نفسه الذي علّقت فيه كمبوديا وقف إطلاق النار، أعلنت تايلاند أنها ستلغي الرسوم الجمركية وتوسع حصتها من استيراد الذرة العلفية من الولايات المتحدة، ما يعكس استمرار دور المصلحة الاقتصادية الأمريكية كحافز خارجي، لكنه لم يُترجم إلى تعاون مستدام على الأرض.
ومن ناحية أخرى، تُفاقم السياسة الداخلية من هشاشة الوضع. ففي تايلاند، تشجع الحكومة الائتلافية الهشة والنفوذ العسكري المستمر على اتخاذ مواقف قومية قوية قبيل الانتخابات المقررة عام 2026.
أما في كمبوديا، فإن رئيس الوزراء هون مانيت، الذي يسعى لتوطيد سلطته بعد انتقال السلطة من والده هون سين، لا يمكنه أن يظهر بمظهر الضعيف أمام بانكوك، مما يحافظ على ديناميات المواجهة كأداة سياسية مفيدة للطرفين.
الوساطة الخارجية لا تكفي للسلام المستدام
كان اتفاق كوالالمبور، في جوهره، مجرد هدنة تكتيكية صُممت لتكون اختراقًا استراتيجيًا، لكنها افتقرت إلى البنية المؤسسية، وآليات الرصد، والشرعية المحلية اللازمة للاستمرار.
وقد قدمت مشاركة ترامب عرضًا استعراضيًا بلا جوهر، فيما أضفى دور أنور رمزية إقليمية دون ضمان تطبيق مستدام.
هذا الانهيار يُظهر أنه حتى الوساطة الخارجية عالية المستوى لا يمكن أن تعوّض عن غياب الإرادة السياسية الداخلية المشتركة، وأن الحلول المستدامة تتطلب معالجة الأسباب الهيكلية للنزاع، وليس مجرد توقيع اتفاقيات تحت الضغط.
كما يسلط الضوء على ضعف آليات آسيان في إدارة النزاعات، مؤكداً أن أي حل إقليمي يعتمد على دعم وتنسيق محليين حقيقيين وليس فقط على النفوذ الخارجي أو الضغوط الاقتصادية.
ويوضح انهيار وقف إطلاق النار بين تايلاند وكمبوديا حدود الدبلوماسية الأمريكية الرمزية في حل النزاعات الإقليمية، ويؤكد أن السلام المستدام يتطلب أكثر من توقيع اتفاقيات تحت الضغط؛ فهو يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، وآليات رصد فعّالة، وتفاهم متين بين القيادات المحلية.