غارات إسرائيلية على مناطق متفرقة جنوبي لبنان
في قمة أغسطس بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ، أثارت عبارة واحدة ارتباكًا واسعًا؛ إذ لمَّح ترامب إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تملك الأراضي التي يوجد عليها نحو 28,500 جندي أمريكي في كوريا الجنوبية، قائلًا: "أنفقنا الكثير لبناء القاعدة، وساهمت كوريا جزئيًا، لكن أود أن أرى إن كان بالإمكان التخلص من الإيجار وامتلاك الأرض التي تقع عليها القاعدة العسكرية الضخمة".
ونقلت "آسيا تايمز"، أن الكوريين، الذين لطالما خشوا انسحاب واشنطن، بدا لهم هذا الطرح في البداية مطمئنًا؛ لأنه يوحي بديمومة الوجود الأمريكي وليس التخلي عن كوريا الجنوبية، لكن سرعان ما اتّضح أن الحديث عن "الملكية" يتجاوز كونه مجرد كلام، ليكشف سوء فهم خطير لطبيعة التحالف بين واشنطن وسيول، ويهدد الأساس الذي يقوم عليه الدور الأمريكي في آسيا.
ووفقًا لاتفاقية وضع القوات بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية (SOFA)، لا تدفع واشنطن إيجارًا، ولا "تستأجر" القواعد؛ إذ تمنح سيول واشنطن حقوق الاستخدام العسكري فقط، بينما تبقى السيادة على الأرض كاملةً للكوريين، وهو نموذج عمل مشابه اعتمدته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية في ألمانيا واليابان، حيث استندت قوتها على التواجد وليس التملُّك.
ويرى مراقبون أن التاريخ يقدم دروسًا مهمةً؛ ففي الفلبين، أدّت قاعدة أمريكية أصبحت رمزًا للاحتلال، إلى ضغطٍ شعبي أسفر عن إغلاقها في 1991، وعادت الولايات المتحدة لاحقًا بشرط احترام السيادة الفلبينية، وفي كوريا، التي لا تزال ذاكرة الاستعمار الياباني حية فيها، كان من شأن التملُّك الأمريكي أن يقلب التحالف إلى احتلال، ويحمل تبعات استراتيجية خطيرة.
من جانبها توضح المؤرخة البحرية سارة باين أن القوة البحرية إيجابية لأنها تبني الثروة من خلال التجارة والتحالفات، بينما القوة القارية سلبية لأنها تعتمد على احتلال الأراضي وتدمير الثروة، كما أن الولايات المتحدة نجحت تاريخيًا كقوة بحرية، مبنية على شبكة من التحالفات والوجود البحري، وليس على الاستيلاء على الأراضي، ولذلك فإن تحويل كوريا إلى ممتلك أمريكي سيقلب هذا المنطق، ويُقرِّب واشنطن من القوى القارية التي لطالما عارضتها، مثل الصين وروسيا وإمبراطورية اليابان السابقة.
وبحسب "آسيا تايمز"، فإن كوريا ليست جزيرة، لكنها تمثل نقطة ارتكاز استراتيجية في "السلسلة الأولى للجزر" في آسيا، وتعمل كقاعدة بحرية أمام الصين واليابان، كما أوضح الجنرال كزافييه برونسون، قائد القوات الأمريكية في كوريا، أن شبه الجزيرة تبدو من الفضاء كأنها "حاملة طائرات ثابتة"، وتربط التحالفات الأمريكية في اليابان والفلبين وكوريا، ولذلك فإن وجود القوات الأمريكية في كوريا ليس مجرد إنذار، بل أداة رمزية لإظهار الالتزام بالدفاع عن الحليف.
العواقب الاستراتيجية
ويرى مراقبون أن قوة العالم الحر تعتمد على احترام السيادة، ولذلك فإن الكلام عن "الملكية" يُقوض هذا المبدأ، ويخلط بين الحضور بموافقة الحليف والاحتلال، وبينما تمضي الصين في مبادرة الحزام والطريق، تواصل ربط جيرانها بأرضها وبحرها، في مزيجٍ من الطموح القاري والتوسع البحري.
وفي السياق، تكمن القوة الأمريكية الحقيقية في التواجد دون امتلاك، باعتبارها تحالفات وليس مستعمرات، بموافقة وليس بالإكراه، ولذلك فإن كوريا الجنوبية محور هذه الاستراتيجية، والطمأنينة تتحقق حين تقف الولايات المتحدة معها كشريك، وليس كمالك أرض.
ويهدد تصريح ترامب حول "امتلاك" قواعد كوريا الجنوبية المنطق البحري للتحالف الأمريكي، ويحول الحضور الاستراتيجي من شراكة قائمة على الثقة إلى احتلالٍ محتمل؛ ما قد يقوض الدور الأمريكي في آسيا.