كشفت الأزمة في فنزويلا عن مأزق استثنائي يعيشه الرئيس نيكولاس مادورو ونخبه العسكرية: البقاء في السلطة بات مسألة حياة أو موت؛ لذلك فإنهم لن يسلّموا السلطة ما دام الخروج يعني السجن أو الانتقام؛ ما يجعل أي انتقال ديمقراطي مستحيلًا دون "مظلة نجاة" تُزيل خوفهم من العقاب وتمنع انزلاق البلاد إلى حرب.
وبحسب "فورين بوليسي"، فكل احتمال للتنازل عن الحكم يعني مواجهة السجن، والعقاب الدولي، أو الانتقام الشعبي المحتمل؛ ما يجعل أي انتقال ديمقراطي تقليدي شبه مستحيل دون وجود ما يمكن تسميته بـ"مظلة نجاة" تحميهم وتضمن خروجًا آمناً.
ومنذ سبتمبر، ضاعفت الإدارة الأمريكية الضغط على مادورو، بما في ذلك نشر آلاف الجنود والسفن الحربية قبالة السواحل الفنزويلية، ورفع مكافأة القبض عليه إلى 50 مليون دولار، لكن رغم ذلك، يُصرّ مادورو وحلفاؤه العسكريون على البقاء، مدفوعين بفهم واضح أن أي انسحاب من السلطة دون ضمانات سيؤدي إلى عواقب شخصية وخيمة.
تاريخيًا، استغل الاستبداديون في أمريكا اللاتينية المخارج الآمنة المتاحة لهم؛ ففي تشيلي، استخدم أوغستو بينوشيه خسارته في استفتاء لتأمين امتيازات للجيش والنظام السياسي بعد مغادرته الحكم، وفي جنوب إفريقيا والمكسيك وتايوان وكوريا الجنوبية، استثمرت الأنظمة السابقة سجلَّها في التنمية الاقتصادية أو نفوذها السياسي لتأمين حماية لنخبتها أثناء الانتقال الديمقراطي.
أمَّا مادورو، فلا يملك هذه المخارج؛ نظرًا لأن الحزب الاشتراكي الحاكم أصبح أداة للولاءات الشخصية والمحسوبية، بينما الاقتصاد انهار بنسبة قياسية وصلت إلى 75% بين 2014-2021؛ ما دفع ملايين للهجرة وتركه بلا قاعدة شعبية حقيقية، كما أصبح الدعم الشعبي لمادورو منخفضًا تاريخيًا، وأضحت فرصه في الفوز في انتخابات نزيهة، شبه معدومة.
وإضافة إلى ذلك، فإن تهديد العقاب من الولايات المتحدة حقيقي ومباشر؛ فتهم مثل المخدرات، والإرهاب، وغسل الأموال تجعل مادورو وحلفاءه العسكريين هدفًا للعدالة الدولية؛ ما يزيد من شعورهم بأن أي انسحاب دون حماية شخصية سيكون محفوفًا بالمخاطر.
ويعتقد مراقبون أن مادورو أصبح محاصرًا داخل نظامه، حيث تحولت الانتخابات إلى رهان حياة أو موت، خصوصًا أن تحقيق أي انتقال ديمقراطي ممكن، يتطلب خلق "مظلة" نجاة تمنع خوفه من العقاب، وتوفر إطارًا يتيح له ولجنرالاته الانسحاب بأمان، وإلَّا فإن البلاد قد تنزلق إلى حرب مفتوحة أو أزمة إنسانية أشد.