أثارت خطوة جديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلاً واسعاً حول "تسييس القضاء الأمريكي"، بحسب تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية، سلط الضوء على تصاعد العداء بين ترامب ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي، وصولاً إلى قرار توجيه لائحة اتهام ضد الأخير يوم الخميس.
تعود جذور الخلاف إلى عام 2017 حين أقال ترامب كومي بعد أشهر قليلة من وصوله إلى البيت الأبيض، إثر رفضه ما قيل إنه طلب مباشر من الرئيس بتقديم قسم الولاء له.
ولم يتوقف كومي عند ذلك الحد، بل أكد أمام الكونغرس أن الـ"إف بي آي" يحقق في تدخل روسي محتمل لدعم حملة ترامب الانتخابية عام 2016، ما أثار غضب الرئيس ودفعه إلى شنّ حملة علنية طويلة لملاحقته قضائياً.
إقالة كومي انعكست عكسياً على ترامب، إذ دفعت نائب المدعي العام آنذاك رود روزنستاين إلى تعيين المحقق الخاص روبرت مولر للإشراف على التحقيقات المتعلقة بالتدخل الروسي.
ورغم أن تقرير مولر الصادر عام 2019 لم يثبت وجود تآمر مباشر بين حملة ترامب والكرملين، فإنه كشف عن أدلة على وجود مساعٍ روسية فعلية للتأثير على نتائج الانتخابات، وأن حملة ترامب كانت تتوقع الاستفادة من ذلك.
كما أشار التقرير إلى أن نجل ترامب، دونالد جونيور، رحّب بعرض روسي لتزويد الحملة بمعلومات تضر بمنافسته هيلاري كلينتون.
وترى الصحيفة أن توجيه الاتهام لكومي يأتي تتويجاً لمسار طويل من "الانتقام السياسي"، موضحة أن ترامب ظل يعتبره رمزاً لما يسميه "المؤامرة" التي حيكت ضده عبر التحقيق الروسي، وظل يصف القضية بـ"المطاردة" و"الخدعة".
المفارقة الكبرى – كما يذكر التقرير – أن كومي نفسه لعب دوراً محورياً في إضعاف حملة هيلاري كلينتون خلال انتخابات 2016. ففي صيف ذلك العام، عقد مؤتمراً صحفياً أعلن فيه أن استخدام كلينتون لبريدها الخاص كان "إهمالاً شديداً" لكنه لا يستدعي الملاحقة الجنائية.
ووفقاً للتقرير، فإن ذلك الموقف وفر لترامب ذخيرة انتخابية استغلها حتى النهاية، ثم عاد كومي قبل أيام قليلة من التصويت ليعلن إعادة فتح التحقيق بعد العثور على رسائل جديدة على جهاز الكومبيوتر الخاص بالعضو السابق في الكونغرس أنتوني وينر، قبل أن يعلن لاحقاً أن الرسائل لم تحمل جديداً.
لكن الأثر كان قد وقع، إذ تراجعت كلينتون في استطلاعات الرأي وخسرت السباق بفارق ضئيل.
وتضيف "الغارديان" أن من مفارقات المشهد أن كومي يواجه اليوم اتهامات صادرة من مكتب المدعي العام للمنطقة الشرقية من فرجينيا، وهو المكتب الذي عمل فيه بنفسه في بدايات مسيرته.
وقد شغل لاحقاً منصب المدعي العام للمنطقة الجنوبية من نيويورك، ثم نائب المدعي العام في عهد الرئيس جورج بوش الابن، قبل أن يعينه الرئيس الأسبق باراك أوباما مديراً لـ "إف بي آي" عام 2013.
وأعاد التقرير التذكير بمقطع شهير من مناظرات 2016 حين قالت كلينتون: "من الجيد أن شخصاً بمزاجية ترامب ليس مسؤولاً عن القانون في بلادنا"، ليرد الأخير بعبارة ساخرة: "لأنك كنتِ ستدخلين السجن".
واليوم، بعد تسع سنوات تقريباً، يبدو أن ترامب استخدم سلطته ليضع أحد أبرز معارضيه في قفص الاتهام، الأمر الذي يعزز الشكوك في أن القضاء الأمريكي بات أداة لتصفية الحسابات السياسية، بحسب الصحيفة.