تسود حالة من القلق بين الأكراد في ظل الغموض الذي يكتنف إمكانية حصولهم على حقوقهم قانونيًا ودستوريًا في تركيا، وعدم تعرضهم لأي توجهات سلبية من أنقرة، في انتظار اكتمال المشهد بإلقاء مقاتلي حزب "العمال الكردستاني" سلاحهم والنزول من معقلهم بجبال قنديل.
وأشار خبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن ما يزيد المشهد ضبابية، هو تقدم "العمال الكردستاني" فعليًا في خطوات إلقاء السلاح، في حين يواصل الجيش التركي قصف مواقعه في جبال قنديل.
والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفدًا من حزب المساواة والديمقراطية للشعوب التركي (ديم)، الموالي للأكراد، لمناقشة نزع سلاح حزب العمال الكردستاني ونقل آراء الحزب وتوصياته بشأن الخطوات التالية المحتملة.
ووفق بيان للحزب، جرى التأكيد خلال اللقاء الذي استمر ساعة كاملة على أن الإرادة المشتركة ستسهم في المضي قدمًا بالعملية.
وقبل هذا اللقاء بساعات، التقى وفد من "ديم" مع عبد الله أوجلان المعتقل في سجن إمرالي، حيث نُقل عنه، بحسب وكالة "رويترز"، أنه يولي أهمية كبيرة لاجتماع الوفد مع أردوغان، ووصف اللقاء بأنه "تاريخي".
وتقول الباحثة السياسية المتخصصة في الشؤون التركية، الدكتورة هدى رزق، إن "من المتوقع في أعقاب الاجتماع مع أردوغان أن يُقام أول حفل رمزي لنزع سلاح حزب العمال في 11 يوليو/تموز الجاري بمدينة السليمانية تحت إشراف مراقبين دوليين".
وأوضحت رزق لـ"إرم نيوز"، أن "الحكومة التركية تقول إنها ستجلس مع الأكراد، لكنها في الوقت ذاته تضغط على حزب الشعب الجمهوري الذي يقود المعارضة التركية، خشية أن يتحالف مع الأكراد في الداخل في حال إبرام سلام تركي–كردي، وهو ما قد يهدد طموحات أردوغان في تجديد ولايته في أي انتخابات رئاسية مقبلة، مما يضفي على المشهد مزيدًا من التعقيد".
وأضافت أن "هناك نقدًا كبيرًا اليوم لأردوغان والدولة العميقة في تركيا لعدم تسريع المسار القانوني المتعلق بملف حزب العمال الكردستاني. فمقابل إلقاء السلاح ووقف القتال، يُفترض أن تكون هناك إنجازات دستورية وقانونية من جانب الحكومة والحزب الحاكم والبرلمان، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن".
ولفتت رزق، إلى "وجود حذر وخوف شديد لدى الأكراد من أن تنسيق أوجلان مع الدولة التركية لم يحقق المطلوب من أنقرة، وفي مقدمة ذلك إطلاق سراح أوجلان نفسه من السجن، إضافة إلى تحركات جدية من اللجان الدستورية والقانونية يجب أن تترافق مع خطوات حزب العمال الكردستاني".
وأشارت إلى "وجود ضبابية واضحة في موقف الدولة التركية تجاه هذا الملف، خاصة في ظل مواصلة الجيش التركي قصف مواقع حزب العمال في جبال قنديل، ما يجعل موقف أنقرة غير صريح، ويستدعي وقوف الجانب الكردي على هذه التفاصيل في ظل ما هو منتظر من احتفال بإلقاء السلاح في السليمانية".
من جهته، أوضح الباحث السياسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط عمران منصور، أن "عملية السلام جارية منذ أكثر من 10 سنوات لكنها توقفت في مراحلها الأولى، رغم زيارة زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، إلى ديار بكر ولقائه أردوغان، حيث أقيمت الاحتفالات آنذاك ابتهاجًا ببداية السلام".
وأضاف منصور لـ"إرم نيوز"، أن "حزب العمال الكردستاني لا يمتلك أسلحة ثقيلة، وإنما أسلحة خفيفة فقط مقارنة بالجيش التركي الذي يملك دبابات ومدفعية وطائرات".
وأشار إلى أن "الأمور لا تزال غامضة بشأن نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، وسط تساؤلات حول ما قدمته الحكومة التركية للحزب مقابل إلقاء سلاحه، بعد عقود من معاناة الأكراد في تركيا، وهجرتهم وترك منازلهم، مع توغل الجيش التركي في كردستان سوريا والعراق وتشريد مئات الآلاف من مناطقهم بسبب الحرب" وفق تعبيره.
ويرى منصور، أن العقبات لا تكمن في بناء الثقة بقدر ما تتعلق بالتفاصيل اللوجستية، مؤكدًا أن الجميع ينتظر إعلانًا مهمًا من تركيا عن تنفيذ عملي على الأرض فيما يخص عملية السلام.
وأضاف أن "مصير الأكراد في الشرق الأوسط مرتبط بإحقاق الحقوق الكردية التي انتُزعت منهم بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، وما تضمنته اتفاقيات لوزان ومعاهدة سيفر".
ولفت منصور، إلى أن "الخطوات المتعلقة بالحقوق الكردية في مناطقهم في تركيا تسير ببطء وسط حاجة حقيقية إلى إحلال السلام بين جميع المكونات".