logo
العالم

السباق نحو كراكاس.. صراع خفي بين واشنطن وحلفاء مادورو على "حدود الحرب"

قطع بحرية أمريكية تتقدمها حاملة الطائرات "جيرالد ر. فورد" المصدر: أ ف ب

في ظل الاستعدادات الأمريكية المكثفة لتنفيذ عملية عسكرية ضد فنزويلا، تواجه كلّ من روسيا والصين، حليفَتي الرئيس نيكولاس مادورو، تحديات معقدة تتعلق بكيفية وحجم الدعم العسكري الذي يمكن تقديمه لكراكاس.

وتأخذ موسكو وبكين في الحسبان جملة من الاعتبارات الاستراتيجية، أبرزها مدى القدرة على مساندة فنزويلا فعليًا في حال أقدمت واشنطن على توجيه ضربة عسكرية، وما قد يترتب على ذلك من تصعيد سياسي وعسكري دولي.

ويوضح خبراء في العلاقات الدولية، أن أي هجوم أمريكي على فنزويلا سيضع روسيا في مأزق كبير، إذ سيكون تدخلها العسكري المباشر مغامرة صعبة قد تؤدي إلى توتر حاد في العلاقات بين موسكو وواشنطن، وقد ينعكس ذلك أيضًا على قرارات الولايات المتحدة بشأن تسليح أوكرانيا، مما يجعل أي تعاون روسي محتمل في حال اندلاع الحرب يقتصر على الدعم الاستخباراتي فقط، في ظل الصعوبات اللوجستية الكبيرة المتعلقة بنقل السلاح إلى كراكاس.

أخبار ذات علاقة

حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد ر. فورد"

بعد نشر حاملة طائرات أمريكية.. هل بدأ العد التنازلي لضرب فنزويلا؟

وبين الخبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الصين لن تتدخل عسكرياً بشكل مباشر بإرسال جنود إلى فنزويلا في حال وقوع هجوم عسكري عليها، لكنها قد تقدّم دعماً عسكرياً كما فعلت مع إيران، وتضغط حتى لا تترك كراكاس تقع في قبضة واشنطن، ولكن ستكون المساندة عبر إرسال الأسلحة والعتاد العسكري.

وفي ظل التوترات القائمة في البحر الكاريبي، أعلن الجيش الفنزويلي مؤخرا، أنه ينتشر بـ"كثافة" في كل أنحاء بلاده للرد على ماوصفه بـ"الإمبريالية" الأمريكية، فيما أفاد البنتاغون بوصول حاملة طائرات أمريكية إلى قبالة سواحل أمريكا اللاتينية لدعم عمليات مكافحة تهريب المخدرات.

قطع الإمدادات النفطية عن الصين

وتؤكد الباحثة في الشؤون الصينية والآسيوية، الدكتورة تمارا برو، أن التهديدات والتصريحات التي يطلقها دونالد ترامب بخصوص الإطاحة بالرئيس بالفنزويلي، والهجوم العسكري بحجة مكافحة المخدرات، هي في جوهرها أهداف ظاهرية يعلنها الرئيس الأمريكي لتبرير استخدامه الضغوط بالقوة على مادورو وفنزويلا.

وأضافت برو في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن هناك أهدافاً باطنة وراء هذه التصريحات، ولا سيما في ظل العلاقات الوثيقة بين الصين وفنزويلا، خصوصاً في مجال النفط، إذ إن بكين تشتري كميات كبيرة من النفط الفنزويلي.

وأفادت برو، أن ما يريده ترامب في المقام الأول فيما يتعلق بالصين هو قطع شريان الإمدادات النفطية إليها، وهدد بفرض رسوم جمركية على الهند، ووجه تهديدات مشابهة للصين من أجل قطع استيراد النفط الروسي بحجة أن ذلك يذهب لدعم الحرب الروسية الأوكرانية، واليوم يسعى الرئيس الأمريكي للضغط على فنزويلا لقطع شريان الحياة للصين المتمثل في النفط، وتقليص تعاونها مع بكين في هذا المجال.

أخبار ذات علاقة

صاروخ باليستي أمريكي عابر للقارات من طراز مينيوتمان 3

الجيل الجديد من الصواريخ الباليستية.. هل تفقد أمريكا تفوقها أمام روسيا والصين؟

حسابات سياسية

ورأت برو أن الصين، من جهتها، لا يُتوقع أن تتدخل عسكرياً بشكل مباشر في فنزويلا في حال وقوع هجوم عسكري عليها، أي أنها لن ترسل جنوداً صينيين إلى الأراضي الفنزويلية، لكنها قد تقدم دعماً عسكرياً كما فعلت مع إيران، وستضغط حتى لا تترك فنزويلا تقع في قبضة الولايات المتحدة.

واستكملت برو، أن مادورو يرفض الاستجابة للضغوط الأمريكية والابتعاد عن الصين، بينما يسعى ترامب من وراء ذلك إلى تغيير النظام في فنزويلا، غير أن الصين لن تسمح بذلك فهي وإن كانت لن تتدخل بقوات عسكرية، إلا أنها ستدعم فنزويلا في حال حصول هجوم أمريكي، عبر إرسال الأسلحة والعتاد العسكري، لما لهذا الملف من أهمية كبيرة في الحسابات السياسية الصينية.

وذكرت برو، أن الصين لن تسمح لأي دولة بتهديد مصالحها في أي منطقة من العالم، مشيرة إلى احتمال أن يتم التوصل إلى اتفاق صيني أمريكي يقضي بتخفيف التهديدات الأمريكية على فنزويلا، مقابل سماح واشنطن بتدفق النفط الفنزويلي إلى الصين، في مقابل تخلي بكين عن أحد الملفات الشائكة مع واشنطن.

دعم استخباراتي روسي

بدوره، يقول الخبير في الشؤون الروسية، د. محمود الأفندي إن موسكو وكراكاس وقعتا منذ حوالي شهر اتفاقية للتعاون الاستراتيجي بين الطرفين ولكنها لا تشمل الدفاع المشترك، وإنما تهدف إلى التعاون الاستراتيجي في مجالات متعددة، مثل تقديم الخبراء والأسلحة الخاصة، في ظل شراء فنزويلا معدات عسكرية روسية بقيمة 1.5مليار دولار سنويا، والتعاون بين البلدين في مجال التسليح طويل الأمد وليس حديث العهد.

وبين الأفندي في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن الاتفاقية تتضمن أيضا التعاون في حالات الأزمات، إذ تقدم روسيا ما يسمى بالمساعدات الفوق العادية، مثل إرسال الخبراء، وتقديم المعلومات والصور عبر الأقمار الصناعية، ما يمكّنها من تزويد فنزويلا بمعلومات استخباراتية دقيقة، لافتا إلى أن كراكاس لديها أيضا اتفاق تعاون استراتيجي مع الصين، في حين لا يوجد مثل هذا التعاون مع إيران، لكن موسكو وبكين ترتبطان باتفاقيات تعاون استراتيجي قوية مع كاراكاس.

وأوضح الأفندي أن هناك استثمارات روسية وصينية ضخمة في فنزويلا، خاصة في قطاع النفط، إذ إن أغلب الشركات العاملة في مجال البترول هناك روسية أو صينية، ما يفسر الاهتمام الروسي بتوقيع هذه الاتفاقية.

عوائق الدعم المباشر

ويرى الأفندي أن روسيا في حال تعرض كراكاس لهجوم أمريكي، قد تمدها بالأسلحة، لكن يبقى السؤال حول كيفية إيصالها، لأن موقع فنزويلا البعيد خلف المحيطات يجعل إيصال السلاح عبر البحر صعبًا جدًا، كما أن النقل الجوي محفوف بالمخاطر وقد يتعرض للقصف، مما يعني أن المساعدات العسكرية المباشرة ستكون شبه مستحيلة.

وتابع الأفندي، أن الدعم الروسي سيكون في الغالب استخباراتيًا فقط، عبر تزويد فنزويلا بصور الأقمار الصناعية والمعلومات عن مواقع تمركز الجيش الأمريكي ونقاط انطلاق عملياته، وسيحمل ذلك أهمية كبرى لاسيما أن فنزويلا لا تملك جيرانًا يمكن لموسكو أن تمرر من خلالهم الأسلحة إليها.

ولفت إلى أن منظومات الدفاع الجوي الفنزويلية بالكامل روسية الصنع، مثل منظومة "إس-300" و"سبنسرر" و"أجم"، إضافة إلى العديد من الصواريخ والخبراء العسكريين الروس الموجودين داخل فنزويلا، موضحا أنه في حال نشوب حرب بين واشنطن وكاراكاس، قد يتطور هذا التعاون ليشبه الدور الذي لعبه الاتحاد السوفييتي سابقًا في دعم فيتنام خلال حربها مع الولايات المتحدة، إلا أن الظروف اليوم مختلفة، وروسيا لم تعد الاتحاد السوفييتي، وهي الآن تحاول دراسة خطواتها بعناية والحفاظ على علاقات متوازنة مع واشنطن ولا تسعى إلى تعكير العلاقات معها.

وأردف الأفندي أن أي هجوم أمريكي على فنزويلا سيضع روسيا في مأزق كبير، إذ سيكون تدخلها العسكري المباشر مغامرة صعبة قد تؤدي إلى توتر حاد في العلاقات بين موسكو وواشنطن، وقد ينعكس ذلك أيضًا على قرارات الولايات المتحدة بشأن تسليح أوكرانيا، لذلك فإن أي تعاون روسي محتمل في حال اندلاع الحرب سيقتصر على الدعم الاستخباراتي، نظرًا للصعوبات اللوجستية والسياسية الكبيرة التي تواجه أي دعم عسكري مباشر.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC