logo
العالم

الوحش الصيني يحلّق فوق جاكرتا.. صفقة J-10C تعيد رسم خرائط القوة جنوب شرق آسيا

المقاتلة الصينية J-10C “Vigorous Dragon”المصدر: شاترستوك

تشير صفقة شراء إندونيسيا للمقاتلات الصينية J-10C “Vigorous Dragon” إلى تحوّل نوعي في بنية الأمن الإقليمي بجنوب شرق آسيا، وتسلّط الضوء على توازنٍ دقيقٍ تسعى جاكرتا للحفاظ عليه بين الاستقلال العسكري من جهة، وتجنّب الارتهان لأي محور دولي من جهة أخرى. 

تُمثل الصفقة التي تقدر قيمتها بنحو 9 مليارات دولار تمثل أكثر من مجرد تحديث لسلاح الجو الإندونيسي، بل هي رسالة استراتيجية تُعيد معايرة موازين القوة بين الولايات المتحدة والصين في المنطقة، بحسب صحيفة "آسيا تايمز".

سباق تسلّح متسارع

وأشارت الصحيفة إلى أن إعلان وزير الدفاع الإندونيسي سجعفري شمس الدين أن مقاتلات J-10C "ستحلّق فوق جاكرتا قريبا" يضع بلاده في قلب سباق تسلّح إقليمي يتصاعد بسرعة؛ فبعد توقيع جاكرتا عقودا مع فرنسا لشراء 42 مقاتلة رافال، ومع تركيا لطائرة "كان" المحلية، ومشاركتها المتعثّرة في مشروع KF-21 الكوري الجنوبي، يبدو أن القيادة الإندونيسية تسعى لتشكيل ما يُشبه "درع نوسانتارا الثلاثي" القائم على تنويع مصادر التسلّح، وضمان الردع الذاتي دون الارتهان لواشنطن أو موسكو.

أخبار ذات علاقة

لقاء بين وزير الخارجية الإندونيسي ونظيرته الكورية الشمالية

بين واشنطن وبيونغ يانغ.. كيف تُوازن إندونيسيا بين القانون الدولي والحوار؟

تتميز المقاتلة الصينية J-10C بتقنيات متقدمة، أبرزها رادار AESA وصواريخ PL-15 بعيدة المدى؛ ما يجعلها قادرة على منافسة مقاتلات الجيل الرابع والنصف الغربية. 

كما أن أداءها القتالي أثبت فعاليته بعد نجاح باكستان في استخدامها ضد مقاتلات رافال الهندية؛ ما منحها سمعة جديدة كمنافس فعلي للطائرات الغربية باهظة الثمن.

ورغم هذه المزايا، تُثير الخطوة الإندونيسية تساؤلات حول قدرتها على إدارة أسطولٍ متنوعٍ للغاية يضم طائرات أمريكية (F-16)، وروسية (Su-27/30)، وكورية (FA-50)، وبريطانية (Hawk 200).

قد يُضعف هذا التنوع كفاءة التشغيل؛ إذ تختلف أنظمة الاتصال والتسليح والتعرف بين الطائرات؛ ما يعقّد عمليات التنسيق القتالي ويزيد من التكاليف اللوجستية.

توازن هش على حافة النفوذ

صفقة J-10C لا تقتصر على الجانب العسكري فقط؛ فهي تُعيد طرح سؤالٍ أكبر حول تموضع إندونيسيا في خريطة النفوذ الآسيوية؛ إذ يربط العديد من الخبراء بين هذه الصفقة وبين النفوذ الاقتصادي الصيني المتزايد، خصوصا في مشاريع البنية التحتية الكبرى مثل شبكة القطارات فائقة السرعة التي تموّلها بكين.

أخبار ذات علاقة

ترامب ورئيس إندونيسيا

مايكروفون مفتوح يفضح حوارا سريا بين ترامب ورئيس إندونيسيا (فيديو إرم)

تاريخيا، سعت إندونيسيا إلى سياسة خارجية تقوم على "عدم الانحياز"، لكن التحولات الأخيرة تُظهر ميلا متزايدا نحو الشراكات الشرقية، في ظل العقوبات الغربية على روسيا وارتفاع كلفة المقاتلات الأمريكية.

وفي المقابل، تُراقب الولايات المتحدة وأستراليا التطورات بقلق؛ فموقع إندونيسيا الجغرافي يجعلها لاعبا حاسما في أي سيناريو يتعلق بمضيق ملقا أو بعمليات عسكرية في بحر الصين الجنوبي أو تايوان. 

وفي حال اندلاع نزاع في تلك المناطق، قد تجد جاكرتا نفسها مضطرة لتحديد موقف واضح من الصراع، وهو ما تحاول تجنبه حتى الآن.

لكن الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا الصينية قد يُقيد خياراتها المستقبلية؛ إذ ترتبط صفقات التسليح عادة بخطوط تدريب وصيانة وقطع غيار تمتلكها الجهة المورّدة؛ ما يمنح بكين وسيلة ضغطٍ ناعمة على قرارات جاكرتا السياسية، سواء في منظمة آسيان أو في مواقفها من بحر الصين الجنوبي، حيث تتقاطع المصالح بين البلدين حول جزر ناتونا الغنية بالغاز.

رهان على التوازن

تحاول إندونيسيا الحفاظ على صورتها كقوة إقليمية مستقلة قادرة على التعامل مع واشنطن وبكين في آنٍ واحد. 

أخبار ذات علاقة

طائرة أسترالية من طراز P-8A Poseidon

تهديدات واتهامات متبادلة.. كانبيرا تُصادم التنين الصيني في الأجواء الدولية

ومع ذلك، فإن التحالفات التقنية والمالية الجديدة مع الصين قد تُضعف هذا التوازن الدقيق؛ فبينما تمنح المقاتلات الصينية قدرات ردعٍ جديدة وتكلفة أقل، فإنها تضع المؤسسة العسكرية الإندونيسية ضمن شبكة نفوذٍ تمتد من الصناعات الدفاعية إلى التمويل والبنية التحتية؛ وهو ما يجعل فصل الأمن عن الاقتصاد مهمة شبه مستحيلة.

وفي الوقت نفسه، يُحذّر خبراء الدفاع من أن تشغيل أسطولٍ متنوعٍ جدًا قد يؤدي إلى فجوات تشغيلية في أوقات الأزمات، لاسيما إذا تم تعليق الدعم الفني من أي من الموردين. 

كما أن تعقيد إدارة قطع الغيار وأنظمة الاتصالات سيزيد من الأعباء المالية على بلدٍ يعاني أصلًا من ضغوطٍ اقتصادية.

في نهاية المطاف، تُجسد صفقة J-10C رؤية جاكرتا الطموحة لبناء قوة جوية متقدمة دون الوقوع في فخ التحالفات الصلبة؛ لكنها أيضا اختبارٌ دقيقٌ لقدرة إندونيسيا على موازنة مصالحها بين قوى متنافسة، في لحظةٍ يزداد فيها الاستقطاب في آسيا.

وإذا لم تُحسن إدارة هذا التوازن، فقد تتحوّل من لاعبٍ مستقلٍ إلى ساحة تنافسٍ بين التنين الصيني والنسر الأمريكي.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC