ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء

logo
العالم

بين واشنطن وبيونغ يانغ.. كيف تُوازن إندونيسيا بين القانون الدولي والحوار؟

لقاء بين وزير الخارجية الإندونيسي ونظيرته الكورية الشماليةالمصدر: وزارة الخارجية الإندونيسية

كشفت صحيفة "يوراسيا ريفيو" أن قرار إندونيسيا بإرسال وزير خارجيتها سوجيونو إلى كوريا الشمالية عام 2025 يمثل أول زيارة رفيعة المستوى منذ عام 2013.

ويُعد هذا القرار خطوة استراتيجية تعكس استمرار جاكرتا في دورها كوسيط سلمي في شبه الجزيرة الكورية. هذه الزيارة تؤكد التزام إندونيسيا بالحوار السلمي، وتُظهر حرصها على دمج تقاليدها في إطار رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) مع متطلبات التعامل مع عزلة كوريا الشمالية الدولية وعدم استقرارها الإقليمي، وسط تصاعد التوترات بين القوى العظمى.

وذكرت الصحيفة أن العلاقات التاريخية بين إندونيسيا وكوريا الشمالية تُفسر أهمية هذه المبادرة؛ حيث إن إندونيسيا حافظت على ودّها مع بيونغ يانغ منذ عهد سوكارنو من خلال سياسة الحياد النشط، ودعمت حركة عدم الانحياز طوال الحرب الباردة، وهو تقليد دبلوماسي صمد عبر العقود رغم التقسيم العالمي المتزايد. 

وتمثل زيارة سوجيونو حلقة وصل بين الماضي والحاضر، إذ تأتي بعد تدهور العلاقات خلال العقد الأخير نتيجة الأنشطة النووية لكوريا الشمالية وعقوبات الأمم المتحدة وعزلتها الدولية المتزايدة.

أخبار ذات علاقة

الرئيس الروسي بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم كونغ أون

ميدفيديف لكيم: بوتين حريص على تعزيز العلاقات مع كوريا الشمالية

لم تقتصر الزيارة على البعد الرمزي، بل تضمنت توقيع مذكرة تفاهم بين سوجيونو ووزيرة الخارجية الكورية الشمالية تشوي سون هوي في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، شملت التعاون الثقافي والتقني والرياضي، مؤكدة استمرار العلاقات الثنائية الممتدة لأكثر من ستة عقود. 

كما شهدت الزيارة مشاركة سوجيونو في ذكرى تأسيس حزب العمال الكوري الثمانين، ما يعكس مرونة موقف إندونيسيا واحترامها لبيونغ يانغ، مع السعي لإعادة كوريا الشمالية إلى المنظمات الإقليمية مثل المنتدى الإقليمي لرابطة دول جنوب شرق آسيا.

تحديات تنفيذ المبادرة الدبلوماسية

رغم الرمزية الاستراتيجية للزيارة، تواجه إندونيسيا عدة تحديات رئيسة؛ أولها الموقف النووي الراسخ لكوريا الشمالية، حيث تعتبر بيونغ يانغ أسلحتها النووية آلية الدفاع النهائية لحماية حكمها، ما يجعل المفاوضات المباشرة صعبة ويحد من إمكانية الوصول إلى اتفاقيات فعالة. 

ثانيًا، القيود الاقتصادية العالمية والعقوبات الدولية تحد من قدرة جاكرتا على توسيع التعاون دون تجاوز قرارات الأمم المتحدة، ما قد يؤدي إلى عقوبات ثانوية من الولايات المتحدة وحلفائها. 

ثالثًا، التباين في تقييم القوى الكبرى يحول أي تحرك دبلوماسي إندونيسي إلى مسألة حساسة؛ فواشنطن قد تعتبر هذه الخطوات تحديًا لاستراتيجيتها القائمة على الضغط، بينما كوريا الجنوبية واليابان قد تفسره كإشارة شرعية لبيونغ يانغ.

أخبار ذات علاقة

كوريا الشمالية وفيتنام تتفقان على التعاون في الدفاع ومجالات أخرى

كوريا الشمالية وفيتنام تبحثان شراكة استراتيجية تشمل الدفاع ومجالات متعددة

وتعكس هذه التحديات طبيعة المعضلة التي تواجه أي وسيط في شبه الجزيرة الكورية: القوى الكبرى تمتلك النفوذ الاقتصادي والعسكري الذي يفوق ما يمكن أن تقدمه إندونيسيا، بينما تعتمد بيونغ يانغ على أدواتها الدبلوماسية القائمة على السلطة الأخلاقية والمصداقية والحياد، التي رغم أهميتها، لا تكفي لتغيير خياراتها الاستراتيجية.

ومع ذلك، فإن الدبلوماسية الرمزية والإطار متعدد الأطراف الذي تتبناه إندونيسيا يشكلان أدوات فعالة للتعامل مع الدول المعزولة، إذ تساعد على بناء أنظمة اتصال ومؤسسات حيوية لإدارة الأزمات المستقبلية، وتتيح للوسيط اكتساب ثقة الأطراف المعنية، حتى في ظل وجود قيود سياسية وأمنية واقتصادية.

إندونيسيا واستراتيجية السلام متعددة الأطراف

وتركز السياسة الخارجية المستقلة لإندونيسيا على دعم المبادرات متعددة الأطراف مع الحفاظ على حيادها الاستراتيجي. 

ومن خلال موقعها كعضو قيادي في رابطة دول جنوب شرق آسيا، يمكن لجاكرتا إبراز قضية كوريا الشمالية كمسألة تؤثر على كل من شمال شرق وجنوب شرق آسيا، نظرًا للمخاطر المرتبطة بالانتشار النووي وعدم الاستقرار الإقليمي.

تكتسب هذه المبادرة أهمية إضافية في سياق العلاقات الدولية، حيث يتعين على القوى المتوسطة مثل إندونيسيا تعزيز نفوذها في النظام الإقليمي المتأثر بتنافس القوى الكبرى. 

أخبار ذات علاقة

صاروخ كوري خلال العرض

في عرض عسكري كبير.. كوريا الشمالية تكشف عن صاروخ جديد (فيديو)

تبني جاكرتا نهجًا مستقلًا يعكس قدرتها على التعامل مع المواقف الدبلوماسية الصعبة، وتحقيق الاستقرار الإقليمي، بما يتوافق مع دورها القيادي في آسيان.

وتُعد مذكرة التفاهم الموقعة خطوة لتعزيز العلاقات الثنائية لكوريا الشمالية ضمن إطار متعدد الأطراف، يهدف إلى تخفيف عزلة بيونغ يانغ الدولية. 

ومن خلال نهج متعدد المستويات، تحافظ إندونيسيا على حوار مفتوح مع كوريا الشمالية، وتعمل عبر هياكل آسيان، وتتعاون مع شركاء دوليين أساسيين لضمان التوافق مع البرامج العالمية، ما يعزز ثقة الأطراف بها كوسيط موثوق ويتيح لها تقديم مساهمات مستدامة في عملية السلام غير المستقرة في شبه الجزيرة الكورية.

وتظهر زيارة سوجيونو والمذكرة الموقعة نموذجًا للدبلوماسية الاستراتيجية التي تجمع بين التاريخ، والرمزية، والاستقلالية، مع التركيز على الحوار متعدد الأطراف، وتوفير منصة لإدارة الأزمات، وتعزيز مكانة إندونيسيا وآسيان كمصدر استقرار إقليمي يمتد تأثيره خارج جنوب شرق آسيا.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC