الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"

logo
العالم

البنود الـ10 الأخطر في خطة ترامب.. سلام أم صك تنازل لروسيا؟ (إنفوغراف)

أخطر 10 بنود على أوكرانياالمصدر: إرم نيوز

بينما تستمر الحرب الروسية الأوكرانية في حصد الأرواح وتآكل الجغرافيا السياسية لأوروبا، برزت خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام، المكونة من 28 نقطة، كأحد أكثر المقترحات إثارة للجدل منذ اندلاع الصراع. 

وعلى الرغم من أنها تُقدم باعتبارها "مخرجًا سياسيًا" للحرب، إلا أن مضمونها بحسب خبراء غربيين وأوكرانيين، يبدو أقرب إلى "وثيقة تنازل استراتيجي" تُلزم كييف بقبول واقع جديد مُر وتمنح موسكو ما فشلت في انتزاعه بالقوة خلال سنوات القتال من خلال بنود وصفت بأنها الـ "10 الأخطر".

أخطر ما في الخطة هو أنها لا تكتفي بتثبيت السيطرة الروسية على المناطق المحتلة، بل تعترف بها الولايات المتحدة "بحكم الأمر الواقع"، بدءًا من القرم وصولًا إلى لوهانسك ودونيتسك. 

وتصف جيسيكا برلين، الباحثة في مركز تحليل السياسة الأوروبية، هذا الاعتراف بأنه قائمة أمنيات للكرملين، بينما يرى رئيس الوزراء الأوكراني الأسبق أرسيني ياتسينيوك أنه استسلام زاحف يشرعن الغزو ويحول ما كان احتلالًا مؤقتًا إلى حقيقة سياسية ثابتة.

تخلي أوكرانيا عن أراضيها

لكن ما يثير القلق بدرجة أكبر هو أن الخطة تطالب أوكرانيا بالتخلي عن أراضي لم تُهزم فيها عسكريًا والتي ما زالت تسيطر عليها بالكامل، كما في أجزاء من دونيتسك حول سلافيانسك وكراماتورسك. 

أخبار ذات علاقة

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي

زيلينسكي يشكل وفداً لإجراء مباحثات مع واشنطن حول خطة ترامب للسلام

وهذه المناطق التي شكلت عبر السنوات خطوط دفاع متينة، ستتحول بموجب الخطة إلى "منطقة عازلة" تُعترف كأراضٍ روسية محايدة. 

وفي الجنوب، حيث تتقاطع مصالح الطاقة والموانئ وخطوط الإمداد، تشير الخطة الأمريكية إلى سيطرة روسيا على 75% من خيرسون وزابوريجيا، مجمدًا خطوط القتال عند وضعها الحالي. 

وبذلك تضمن موسكو الاحتفاظ بالجسر البري الحيوي نحو القرم، وتُبقي مدينة ماريوبول وميناءها تحت قبضتها، كما تستمر في التحكم بمحطة زابوريجيا النووية، الأكبر في أوروبا. 

على الجانب العسكري، تفرض الخطة سقفًا صارمًا على حجم الجيش الأوكراني لا يتجاوز 600 ألف جندي، في وقت يتجاوز فيه الجيش الروسي 1.3 مليون جندي نشط. 

تخفيض القدرات الأوكرانية

هذا التخفيض القسري، الذي يجبر كييف على تسريح نحو 280 ألفًا من قواتها، يُحدث خلل عميق في ميزان القوى، ويضع أوكرانيا في موقع دفاعي هش يجعلها أكثر عرضة لهجمات جديدة. 

ومع هذا التقليص، تأتي قيود أخرى أكثر خطورة، تتضمن حظر الصواريخ بعيدة المدى التي تشكل عمود الردع الأوكراني، ما يهدد بفقد كييف قدرتها على ضرب الخطوط الخلفية للجيش الروسي أو قواعده العسكرية، بينما تحتفظ موسكو بترسانتها كاملة دون أي التزام مماثل.

لكن الضربة الأعمق تتعلق بالهوية السياسية لأوكرانيا ومسارها التاريخي، هو أن الخطة الأمريكية وتتضمن بين طياتها مطالبة كييف بتعديل دستورها لإلغاء حق الانضمام إلى الناتو نهائيًا، بينما يلزم الحلف نفسه بتضمين ميثاقه بندًا يحظر قبول أوكرانيا في المستقبل.

وتؤدي هذه الخطوة إلى إغلاق الباب أمام أهم ضمانة أمنية كانت كييف تطمح إليها، ولتكريس هذه الخطوة اشترطت الخطة متع أي وجود لقوات الناتو داخل أوكرانيا، وهو يخلق فراغًا أمنيًا على حدود روسيا، ويُعيد البلاد إلى منطقة رمادية تشبه ما قبل 2014.

ترامب ومجلس السلام

ومع أن أي اتفاق سلام يحتاج إلى جهة مراقبة، إلا أن الخطة تمنح دونالد ترامب شخصيًا رئاسة «مجلس السلام» المسؤول عن المتابعة وفرض العقوبات، هو ما يثير مخاوف أوروبية عميقة خاصة وأنه يعتمد على شخصية واحدة أكثر مما يعتمد على مؤسسات مستقلة أو آليات دولية.

كما أن أكثر البنود إثارة للغضب في أوكرانيا هو العفو الشامل عن جميع جرائم الحرب، ويعنى هذا العفو انتهاء المساءلة عن ممارسات موثقة، شملت التعذيب والاغتصاب والاختفاء القسري وقتل المدنيين، إضافة إلى نقل آلاف الأطفال الأوكرانيين إلى داخل روسيا.

وفي نهاية الخطة، نصت على إعادة دمج موسكو اقتصاديًا ورفع العقوبات والسماح بعودتها إلى مجموعة الثماني، وفتح شراكات أمريكية روسية في مجالات حساسة مثل الذكاء الاصطناعي والتعدين. 

هذه المكاسب الكبرى تحصل عليها موسكو مقابل تنازل وحيد، تخصيص جزء من الأصول الروسية المجمدة لإعادة إعمار أوكرانيا. 

أخبار ذات علاقة

زيلينسكي

"كرامة أم بقاء".. زيلينسكي بين الرفض الشعبي لخطة السلام وضغط ترامب

وفي سياق البنود العشرة المثيرة للجدل في خطة ترامب، يرى ديميتري بريجع، مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، أن التحول الجاري في التعاطي مع الأزمة مهم جدًا، لأن موسكو ليست طرفًا رافضًا للسلام وأن خطوط التفاوض ظلت دائمًا مفتوحة، لكن المشكلة تكمن في «بنود غير واضحة» قد تفرض وقائع استراتيجية جديدة على الأرض.

استئجار الأراضي من دونباس 

وقال بريجع في تصريحات خاصة لـ «إرم نيوز» إن أحد أخطر البنود يتمثل في طرح فكرة أن تدفع روسيا مبالغ مالية مقابل استئجار أراضٍ من دونباس، موضحًا أن موسكو قد تبدي مرونة في هذا البند لأنها تعتبر تلك المناطق "روسية تاريخيًا"، ما يعزز فكرة الاعتراف الضمني بخسارة أوكرانيا لأجزاء واسعة من الشرق.

ولفت إلى أن البنود المتعلقة بمراقبة وقف إطلاق النار، وحظر نشر قوات الناتو داخل أوكرانيا، وفرض قيود على حجم الجيش الأوكراني لا تضمن سلامًا دائمًا محذرًا من أن الاشتباكات قد تستمر حتى بعد توقيع الاتفاق. 

وأكد أن الأراضي التي خسرتها أوكرانيا ستخسرها بالكامل، وأن كييف لم تعد تمتلك بدائل، وهو ما يجعل مسار السلام محسومًا، لكنه غير سهل.

وأوضح بريجع أن البنود الخاصة بإعادة قبول روسيا اقتصاديًا تشكل جزءًا مركزيًا في الخطة، لأن عودة موسكو إلى الأسواق الدولية مرتبطة مباشرة بقطاعي الطاقة والصناعة، ما يعني أن واشنطن تسعى لربط السلام بإنهاء عزل روسيا لا العكس.

وأشار إلى أن ما يجري حاليًا هو ثمرة لتفاهمات قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين وأن رفض كييف الالتزام بها أدى إلى إقصائها من المسار وفتح ملفات الفساد ضد قيادتها، ومع الضغط المتصاعد، يجد الرئيس الأوكراني نفسه أمام خيارين، إما حرب بلا دعم أمريكي، وإما قبول البنود وتجميد الصراع.

وأكد ديمتري بريجع على أن تنفيذ الخطة يحتاج إلى طرف ثالث مراقب من الاتحاد الأوروبي أو دول الخليج أو تركيا، وأن الخطوات الحالية تمثل بداية لبناء سلام صعب.

أخبار ذات علاقة

آثار الهجوم الروسي على تيرنوبل في أوكرانيا

"أخطر اللحظات".. أوكرانيا تقبل مناقشة بنود ترامب بـ"خطوط حمراء"

وشدد على أن استمرار السياسات العدائية ضد موسكو لن يسمح بإنهاء الحرب، وأن أي تسوية واقعية تبدأ بوقف هذه السياسات وفتح الطريق نحو حل شامل.

خطة ترامب وانتصار روسيا

ومن جانبه، أكد د. عمرو الديب، مدير مركز العمليات الجيوسياسية الدولية (IGP)، أن البنود المطروحة لخطة السلام في أوكرانيا  تكرس لانتصار روسيا في هذه الحرب من الناحية العسكرية والدبلوماسية، موضحًا أنه حتى الآن لا يوجد دليل واضح على موافقة أوكرانيا على تلك البنود.

وأشار في تصريح لـ"إرم نيوز" إلى أن البنود التي تمنح الاعتراف الدولي بالأراضي التي ضمتها روسيا منذ عام 2014 بدءًا من شبه جزيرة القرم تعني عمليًا تجميد الصراع لفترة طويلة، والاعتراف الكامل بالأراضي التي ضمتها موسكو منذ ذلك التاريخ.

وقال د. الديب، إن الموقف الأوروبي والأوكراني لا يزال غير واضح، بينما لفت إلى أن الموقف داخل الولايات المتحدة أيضًا غير حاسم. 

وأوضح مدير مركز العمليات الجيوسياسية الدولية، أن التصريحات الرسمية من روسيا، سواء من الرئيس فلاديمير بوتين أو من المسؤولين الروس الآخرين، لا تُظهر إلى الآن إيمانًا بأن هذه الوثيقة يمكن أن تُصدق أو تُنفذ كما هي مقترحة.

وأشار الدكتور عمرو الديب إلى أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة لتحديد الموقف الأوكراني الحقيقي، وكذلك الموقف الأوروبي والبريطاني من هذه الوثيقة، وما إذا كانت تمثّل أساسًا لأي خطوة تفاوضية مستقبلية. 

وأكد أن فرص إنهاء الصراع بشكل كامل ما زالت معدومة في هذه المرحلة، وأن السيناريو الأقرب هو تجميد الصراع، لا إنهاء نهائي له، نظرًا إلى أن الواقع العسكري والدبلوماسي لا يدعم أي تسوية شاملة في الوقت الراهن.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC