logo
العالم

معركة في العمق الأوروبي.. كيف تختبر روسيا جاهزية بولندا للحرب؟

رئيس الوزراء البولندي دونالد توسكالمصدر: (أ ف ب)

تعيش بولندا في الأشهر الأخيرة على وقع تصاعد خطير في العمليات التخريبية التي تطال منشآتها الحيوية، في وقت تتّهم فيه وارسو موسكو بشنّ حرب هجينة داخل الأراضي البولندية، بهدف زعزعة استقرار دولة تُعدّ من أبرز داعمي أوكرانيا

عمليات تفجير، حرائق غامضة، تخريب ممنهج للبنى التحتية.. كلها مؤشرات، وفق المسؤولين البولنديين، على أن روسيا تختبر قدرة بولندا "وبالتالي قدرة حلف الناتو" على مواجهة سيناريوهات الحرب في العمق الأوروبي.

أخبار ذات علاقة

رئيس وزراء بولندا دونالد توسك يزور موقع التخريب

بعد تفجير خط سكك حديدية.. بولندا تنشر الجيش لحماية البنية التحتية الحيوية

تحت وقع أمطار خفيفة وسحب رمادية كثيفة، تقدّم رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك فوق الركام باتجاه خط السكة الحديدية، متفحّصًا العربة المتوقفة بعد عملية تخريبية هزّت البلاد. بملامح متجهّمة وسترة كاكية ضيقة، يسير برفقة وزرائه وقوات الأمن، مدركين جميعًا أن مئات الركاب الذين كانوا قبل ساعات قليلة داخل القطار ربما نجوْا من كارثة محققة.

"نحن أمام عمل تخريبي"، قال توسك، لوسائل الإعلام، وهو يقف على بعد أمتار من الموقع الذي شهد تفجيرًا ليليًا ألحق أضرارًا بالسكك الحديدية في بلدة ميكا، على بُعد نحو 100 كيلومتر من وارسو.

قرب مكان الحادثة، عثرت الأجهزة البولندية على كاميرا وشحنة ناسفة ثانية. كما جرى العثور على خط كهربائي علوي متضرر في موقع آخر على الشبكة ذاتها، وهي خطوط تُستخدم بانتظام لنقل المساعدات العسكرية والإنسانية إلى أوكرانيا.

وقال توسك أمام البرلمان: "يمكننا اليوم أن نتحدث عن إرهاب دولة حقيقي"، متهمًا "أجهزة الكرملين" بالوقوف وراء الهجمات.

عمليات هجينة وثغرات 

ووفقا لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تتعرّض بولندا منذ عامين لسلسلة من الضغوط والتدخلات والعمليات السرية المرتبطة بالحرب الهجينة التي تشنّها موسكو. ففي مارس 2023، أوقفت قوات الأمن عدة أشخاص زرعوا كاميرات بهدف مراقبة القطارات المتجهة إلى أوكرانيا. وفي العام التالي، اندلع حريق هائل في مركز تجاري ضخم شمال وارسو، قبل أن يقوم مجهول في سبتمبر الماضي بفصل عربة تزن 20 طنًا وتركها على السكة.

ورغم تحقيق الاستخبارات البولندية بعض النجاحات - مثل إحباط محاولة حرق مصنع للدهانات في فروتسواف في فبراير 2024- فإن الهجمات الأخيرة كشفت عن ثغرات خطيرة. فمرتكبا التخريب الأخير، وهما أوكرانيان، تم التعرف على بصماتهما بسرعة، لكنهما تمكّنا من الفرار إلى بيلاروسيا. 

وقد تبيّن أن أحدهما كان مدانًا سابقًا في أوكرانيا، ما أثار تساؤلات حول ضعف التنسيق بين كييف وشركائها لمنع دخول عناصر خطرة إلى منطقة "شنغن".

وتُظهر التحقيقات أن روسيا بدأت تتعامل مع "منفذين غير مقيمين في الاتحاد الأوروبي"، في تطور نوعي غير مسبوق. ويوضح الباحث في معهد العلاقات الدولية البولندي، فيليب بريجكا، أن موسكو كانت عادة تختار أفرادًا يحملون تصاريح إقامة أوروبية لتنفيذ عمليات عابرة للحدود بين بولندا وليتوانيا وتشيكيا. لكن الجديد هو تغيّر أسلوب التجنيد: فبدل تكليف عناصر بمهام بسيطة ثم تصعيدها تدريجيًا، بات الروس "أكثر مباشرة"، ويتواصلون مع "مرتزقة مستعدين لتنفيذ أكثر العمليات خطورة مقابل مبالغ ضخمة".

عملية "هورايزون"

أعلنت الحكومة البولندية إطلاق عملية "هورايزون" السبت الماضي، وهي تعبئة واسعة تشمل 10 آلاف جندي داخل البلاد وفي الفضاء السيبراني. وقال وزير الدفاع فلاديسلاف كوسينياك-كاميش: الوضع يتطلب إجراءات صارمة".

يتوقع الخبراء أن تشمل الهجمات المقبلة مواقع الصناعية الحساسة، بما قد يؤدي إلى "كوارث طبيعية" أو تعطيل إمدادات المياه، وفق بريجكا.

لكن تأثيرها يتجاوز البنية التحتية إلى المجتمع البولندي نفسه: فاستطلاعات الرأي تشير إلى أن 54% من البولنديين يعتقدون أن بلادهم غير مستعدة لمواجهة هجمات موسكو الهجينة. كما تستغل أحزاب اليمين المتطرف تورط بعض الأوكرانيين في هذه العمليات للتحريض ضد اللاجئين وتشكيك في الدعم المقدم لكييف.

وحذر توسك من هشاشة الوحدة السياسية بين وارسو وكييف، قائلاً: "قفوا إلى جانب أوكرانيا… دون أي (لكن). فكل (لكن) يخدم روسيا ويقوّض أمننا".

وفي هذا السياق، أعلن وزير الخارجية رادوسلاف سيكورسكي إغلاق القنصلية الروسية الثالثة والأخيرة في بولندا، في خطوة يسعى إلى تعميمها أوروبيًا، مشيرًا إلى أن "40% من الدبلوماسيين الروس يمارسون أنشطة تتعارض مع مهامهم الرسمية".

ومع تصاعد التوتر، يدعو محللون إلى ردود هجومية، يقول بريجكا": يجب علينا تنفيذ عمليات سيبرانية لتعطيل إنتاج الطائرات المسيّرة الروسية، وشلّ شبكاتهم الحديدية، أو حتى مترو موسكو".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC