رئيس وزراء أستراليا: الحكومة ستتبنى إصلاحات للقضاء على الكراهية والتطرف
نشأ التحالف العسكري بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في أعقاب الحرب الكورية، وأصبح ركيزة أساسية لأمن شبه الجزيرة الكورية واستقرار شرق آسيا منذ توقيع معاهدة الدفاع المشترك العام 1953.
وقد ساعد هذا التحالف على ردع العدوان الكوري الشمالي وتعزيز الموقف الاستراتيجي الأمريكي في المنطقة، مع توفير مظلة نووية غير مباشرة لسول.
وذكرت صحيفة "آسيا تايمز" أن السنوات الأخيرة كشفت عن توترات متزايدة في العلاقة؛ فالرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ أكد على صلابة التحالف، لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة تعزيز القدرات الدفاعية المستقلة لكوريا الجنوبية.
ومن خلال هذه الرسائل الرمزية، بدأت البلاد تتجه تدريجيًا نحو بناء جيش وطني قادر على مواجهة التحديات دون الاعتماد الكامل على الحماية الأمريكية، وهو توجه يعكس تغيرًا في الرؤية الاستراتيجية بعد أكثر من سبعة عقود من الشراكة التقليدية.
في المقابل، أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تشكيل سياسته الخارجية تحت شعار "أمريكا أولاً"، مع التركيز على نقل الأعباء العسكرية إلى الحلفاء ورفع التوقعات المالية لدعم القوات الأمريكية في الخارج.
وأدى هذا النهج إلى شعور في سيول بأن واشنطن قد تقلص التزاماتها المستقبلية، بما في ذلك الانتشار العسكري والقوة النووية الردعية؛ ما أثار مخاوف عميقة حول قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار كضامن أمن موثوق.
تحالف تحت الضغط
تتجاوز الضغوط الأمريكية مجرد القضايا العسكرية، لتشمل المجال الاقتصادي والتجاري؛ حيث طالبت واشنطن سيول بمساهمات مالية كبيرة، تصل إلى عشرات المليارات سنويًا، لدعم وجود حوالي 28 ألف جندي أمريكي في البلاد.
كما تم ربط التحالف بمتطلبات اقتصادية إضافية، مثل فتح الأسواق الكورية أمام الشركات الأمريكية وحماية الملكية الفكرية، إضافة إلى استثمارات مباشرة ضخمة في الولايات المتحدة.
هذا النهج جعل التحالف يبدو مرهونًا بالمصالح الأمريكية أكثر من كونه شراكة متبادلة؛ ما أدى إلى تآكل الثقة في العلاقة، لا سيما مع اعتبار كوريا الجنوبية أن هذه المطالب قد تقوض قدرتها الاقتصادية في ظل ركود هيكلي وتراجع ديموغرافي.
إضافة إلى ذلك، أثار الطموح الأمريكي لتوسيع "المرونة الاستراتيجية" في إعادة نشر القوات نحو مناطق مثل تايوان أو بحر الصين الجنوبي، قلق سيول بشأن السيادة الوطنية واحتمال الانخراط في صراعات خارج مصالحها الأمنية المباشرة.
كما أصبحت اتفاقيات الطاقة النووية الثنائية محل جدل، حيث تسعى كوريا الجنوبية تدريجيًا لتعزيز استقلالها التكنولوجي والأمني في هذا المجال، رغم معارضة الولايات المتحدة.
الاستقلال الاستراتيجي
في ضوء هذه الضغوط، بدأ الرئيس لي في إعادة تشكيل السياسة الدفاعية لكوريا الجنوبية، مع زيادة الإنفاق العسكري بنسبة 8.2%، وإعطاء الأولوية للأنظمة الذكية مثل الطائرات المسيرة، الصواريخ دقيقة التوجيه، والذكاء الاصطناعي في الدفاع.
كما يسعى لي إلى استعادة السيطرة العملياتية في زمن الحرب (OPCON) من القيادة الأمريكية، خطوة رمزية وعملية تعكس رغبة سيول في تحقيق استقلال كامل في اتخاذ القرارات العسكرية.
هذا التحول ليس مجرد إعادة ترتيب فني، بل تعبير عن نضج استراتيجي وطموح سيادي طويل الأمد. ومن خلال التركيز على القدرات المحلية، تُهيئ كوريا الجنوبية نفسها لمستقبل قد لا تكون فيه الضمانات الأمريكية موثوقة كما في الماضي.
مع ذلك، يظل التحالف قائمًا من الناحية المؤسسية، بما في ذلك التدريبات المشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية والدفاع الصناعي، ويظل وجود حوالي 30 ألف جندي أمريكي على الأرض عاملًا مستقرًا.
لكن التحولات الحالية تشير إلى نقطة تحول محتملة: من الاعتماد المطلق على واشنطن إلى شراكة أكثر مرونة، توازن بين التضامن والتحكم الذاتي.
إن الاحتمالات المستقبلية تشمل إما التكيف مع استقلالية أكبر لكوريا الجنوبية ضمن إطار التحالف، أو تفكيك تدريجي للارتباط العسكري؛ ما يضع سيول أمام تحدٍ كبير لإعادة تحديد مكانتها في شرق آسيا، خصوصًا في مواجهة النفوذ الصيني المتنامي وتأثيره على كوريا الشمالية.
لا يعني هذا التحول نهاية التحالف، بل بداية مرحلة جديدة من الاستقلال الاستراتيجي لكوريا الجنوبية. فبدلاً من الاعتماد الكامل على الضمانات الأمريكية، تسعى سيول إلى تطوير قوة دفاعية محلية قادرة على تشكيل سياساتها الأمنية بشكل مستقل، مع الحفاظ على شراكة عملية مع واشنطن.
لقد أصبح عصر القوة العسكرية الكورية المستقلة يلوح في الأفق، وهو ما قد يعيد رسم البنية الأمنية في شرق آسيا، ويضع حلفاء آخرين مثل اليابان والهند وأستراليا أمام ضرورة إعادة تقييم سياساتهم الدفاعية في ضوء التحولات الجيوسياسية الكورية.