قوة إسرائيلية خاصة تقتل مسؤولاً في الجبهة الشعبية بعد تسللها لدير البلح وسط غزة
من لبنان إلى اليمن، ومن غزة إلى الجولان، كانت الحرب بين إيران وإسرائيل تُخاض في الظل، عبر وكلاء وأذرع منتشرين على امتداد جغرافيا المنطقة العربية.
وفي لحظة ما، اختفت خطوط التماس الوهمية واشتعلت المواجهة علناً. فما الذي غيّر قواعد اللعبة؟ ولماذا الآن بالتحديد؟ وهل كانت هذه المواجهة خياراً أم أنها فُرضت على إيران؟
لم تكن إيران في الماضي عدواً لإسرائيل، وقد نسج البلدان تحالفاً غير مُعلن، تمثّل في تبادل استخباري، وشراكة اقتصادية ومصالح متشابكة.
في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كانت العلاقات بينهما وثيقة، إبّان عهد الشاه محمد رضا بهلوي. وبعد الثورة الإيرانية في العام 1979 تغيّر كلّ شيء ليعتبرَ النظامُ الجديد في طهران بقيادة الخميني إسرائيلَ أنّها غدّة سرطانية.
وأعاد النظام الجديد رسم توجّهاته على أُسس أيديولوجية ودينية تعادي إسرائيل وتدعم القضية الفلسطينية وفق ما تمّ الترويج له على مرّ كلّ تلك العقود الماضية.
في الظل نسجت إيران شبكة مترامية من الوكلاء من لبنان إلى غزة، ومن بغداد إلى صنعاء. كانت طهران تبني نفوذها خارج الحدود، كجدار أمني وأيديولوجي يحيط بإسرائيل، لكن، هل كانت تلك الأذرع مجرّد أدوات، أم مشاريع قائمة بذاتها؟ وكيف أسهم ذلك الامتداد في رسم خريطة النفوذ الإقليمي؟
في الثمانينيات بدأت إيران بتأسيس شبكتها الإقليمية من الوكلاء المسلّحين. ففي العام 1982 وُلد حزب الله اللبناني بدعم كامل من الحرس الثوري الإيراني. وفي فلسطين دعمت طهران حركتي حماس والجهاد الإسلامي، فيما وجدت في سوريا لاحقاً حليفاً استراتيجياً.
أمّا في العراق، وبعد العام 2003 مع سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، دعمت طهران فصائل شيعية مسلحة عُرفت لاحقاً بالحشد الشعبي، وفي اليمن عزّزت نفوذها عبر جماعة الحوثيين. كلّ تلك الأذرع باتت تُعرف بما سُمي بمحور المقاومة، وشكلت الطوق العسكري حول إسرائيل.
منذ العام 2012، كثّفت إسرائيل من ضرباتها الجوية داخل سوريا مستهدفةً مواقع الحرس الثوري ومخازن الأسلحة الإيرانية هناك. كما طالت سلسلة من الاغتيالات علماء إيرانيين، أبرزهم محسن فخري زادة، أحد أبرز عقول المشروع النووي الإيراني.
إسرائيل لم تعلن رسمياً مسؤوليتها عن معظم تلك العمليات، لكنّ رسائلها كانت واضحة: "لن نسمح لإيران بالتمركز عسكرياً قرب حدودنا".
ومنذ انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في العام 2018، تسارعت خطوات إيران نحو تخصيب اليورانيوم. واليوم، وبحسب تقديرات غربية ومراكز تتبع مسار السلاح النووي، فهي تقترب من عتبة القدرة على تصنيع قنبلة ذرية، بينما ترى إسرائيل في ذلك تهديداً وجودياً.
هجوم 7 أكتوبر في العام 2023 الذي نفذته حركة حماس ضدّ المستوطنات الإسرائيلية، أعاد تشكيل قواعد اللعبة، فإسرائيل اتهمت إيران بدعم العملية. وفي الردّ الإسرائيلي على غزة كان دائماً ما يبرز السؤال التالي: هل ستنضم إيران مباشرة إلى الحرب؟
مع ذلك، ورغم تبادل النيران من لبنان وسوريا واليمن، بقيت طهران تُقاتل بالوكالة، حتى جاءت لحظة غير مسبوقة.
في أبريل نيسان من العام 2024، وللمرّة الأولى، أطلقت إيران مئات الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية مباشرة نحو إسرائيل، ردّاً على قصف قنصليتها في دمشق ومقتل ضباط كبار من الحرس الثوري.
حينها تمكّنت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية بمساعدة أمريكية وفرنسية وبريطانية من إسقاط معظمها. لكن الرسالة وصلت، ومفادها أنّ إيران باتت مستعدة للقتال مباشرة، أو أنها أجبرت على المواجهة المباشرة بعدما تداعت أذرعها في المنطقة.
اليوم، لم تعد المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل احتمالاً، بل صارت واقعاً. فبعد عقود من الاغتيالات الخفية والحروب بالوكالة والصراعات المؤجلة أصبح الطرفان وجهاً لوجه. لكن السؤال الأخطر يبقى: هل هذه بداية النهاية للصراع، أم مجرّد فصل جديد في حرب لا تنتهي؟
من دون شك أنّ إيران لم تكن تريد تلك المعركة الكبرى، لكنّها فوجئت بالهجوم الإسرائيلي المباغت الذي أسهم في القضاء على أكبر الجنرالات في طهران بشكل سريع.
ويتفق الخبراء على أنّ القضاء على برنامج إيران النووي بشكل كامل أمر مستحيل نظراً لحجم التعقيدات الموجودة في هذا الملف، ونظراً للتحصينات حول المنشآت النووية، لا سيّما حول منشأة فوردو التي توجد تحت الأرض، بالإضافة إلى عوامل أخرى.
وفي لمحة تاريخية، كانت هناك ضربات شُنت على العراق في العام 1981 وسوريا عام 2007، تمكنت من وقف الطموحات النووية، لكن ماذا عن حالة برنامج طهران النووي، فهل يُمكن توقع نتائج مماثلة في السياق الإيراني؟
بعد عقود على الصراع بين إيران وإسرائيل، تقف الدولتان وجهاً لوجه في صراعٍ يتجاوز حدودهما الجغرافية، مع انهيار خطوط الردع، وفقدان إيران أذرعها الواحدةَ تلو الأخرى، فيما دخلت إسرائيل اللعبة كما لم تفعل من قبل. هنا في قلب الشرق الأوسط معركة مفتوحة بلا وسطاء، وبلا عودة.