في لحظة يصفها مسؤولون في واشنطن بأنها "الفرصة الأخيرة" لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، تواجه مبادرة السلام الأمريكية جدارا صلبا مع كل تصريح جديد يصدر عن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وتؤكد إدارة الرئيس دونالد ترامب أن خطتها المكونة من 28 بندًا التي تقلصت لاحقًا إلى 19 بندًا بعد اجتماعات جنيف تمثل الإطار الأكثر واقعية لوقف النزاع.
ومقابل ذلك يأتي موقف كييف ليعيد تسليط الضوء على ما تعتبره "ثوابت لا يمكن التنازل عنها"، وعلى رأسها عدم التخلي عن القرم ودونباس مهما كانت الضغوط.
تأكيد زيلينسكي تجدد أخيرًا بأن بلاده لن تتخلى عن أي أراض لروسيا مقابل السلام، ما وضع الخطة الأمريكية أمام اختبار حساس.
هذا التشدد أعاد النقاش حول ما إذا كانت الخطة مجرد محاولة لفرض تسوية سريعة ومدى قدرتها على الصمود أمام صلابة "الخط الأحمر الأوكراني".
الدبلوماسي الروسي السابق ألكسندر زاسبكين أكد أن موسكو مستعدة "لكل السيناريوهات" في حال رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الحرب.
ورأى زاسبكين في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن جوهر الأزمة الأوكرانية يعود إلى "غياب سلطة شرعية" في كييف بعد انتهاء ولاية زيلينسكي، وهو ما أدى إلى حالة ارتباك سياسي داخل البلاد وإلى غموض في مواقف مؤسسات الدولة.
وأوضح الدبلوماسي الروسي السابق أن الموقف الروسي لا يزال ثابتًا ويتمحور بين خيارين: مواصلة العمليات العسكرية حتى تحقيق أهدافها، أو القبول بوقف غير مشروط لإطلاق النار إذا توفرت ضمانات تضمن عدم استغلال كييف للتهدئة.
وشدد على أن موسكو تنظر بعين القلق إلى "الاعتماد المفرط" من جانب أوكرانيا على الدعم الغربي، معتبرًا أن أوكرانيا تراهن على المساعدات العسكرية بدل الانخراط في تسوية واقعية تُنهي الصراع.
وأشار إلى أن خطة ترامب قد تغير موازين الملف الأوكراني بوصفها "فرصة محتملة" لإطلاق مسار تفاوضي جديد، مشددًا في الوقت نفسه على أن أي حل سياسي سيظل مستحيلًا ما لم تُعالج أولًا مسألة الشرعية الدستورية في كييف، ويُعاد بناء السلطة بما يسمح بإطلاق حوار فعّال يضع حدًا للتصعيد المستمر.
من جانبه، قال إيفان يواس، مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، إن موقف أوكرانيا من خطة السلام التي قدمتها أمريكا كان واضحًا وحاسمًا منذ اللحظة الأولى، موضحًا أن الحكومة الأوكرانية تنظر إلى الخطة على أنها "لا تراعي الحد الأدنى من مصالح كييف".
وأشار في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن التسريبات التي نشرتها وكالة بلومبيرغ حول كتابة مسودة الخطة في روسيا جعلتها غير مقبولة على الإطلاق، لأنها تعادل "صيغة استسلام" ولا تعكس توازنًا يمكن البناء عليه.
وكشف يواس أن هذه ليست المرة الأولى التي تدخل فيها العلاقات الأوكرانية الأمريكية مرحلة توتر منذ عام 2025، مشيرًا إلى أن الطرفين تمكّنا في السابق من تجاوز مثل هذه الخلافات وإعادة بناء الثقة، وهو ما يتوقع أن يحدث هذه المرة أيضًا.
وأوضح أن الإدارة الأمريكية تواجه ضغوطًا متزامنة من اتجاهين، الأول من دول الاتحاد الأوروبي التي تتمسك بمواصلة دعم أوكرانيا، والثاني من الداخل الأمريكي، حيث يبدي عدد من الجمهوريين استياءهم من أن خطة ترامب "تعكس وجهة نظر موسكو أكثر مما تعكس مصالح واشنطن".
ورجح مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني أن تضطر الإدارة الأمريكية إلى تعزيز التعاون مع كييف لضمان استمرار الدعم العسكري والسياسي، مؤكدًا أن أي تراجع في هذا الدعم سيُنظر إليه بوصفه "تنازلًا غير مبرر" لمصلحة روسيا، وهو ما لن يلقى قبولًا في المؤسسات السياسية الأمريكية ولا لدى شركاء واشنطن الأوروبيين.