logo
العالم

قوة أوروبية في أوكرانيا.. هل تحول "الضامن" إلى "خصم" في عيون الكرملين؟

لقاء أوروبي أمريكي في برلين حول أوكرانياالمصدر: رويترز

في لحظة تتقاطع فيها حسابات الميدان مع رهانات السياسة، عادت فكرة نشر قوة متعددة الجنسيات بقيادة أوروبية في أوكرانيا إلى الواجهة، ليس بوصفها مبادرة تقنية لضمان وقف إطلاق النار، بل كعنوان جديد لصراع الإرادات بين موسكو والعواصم الغربية. 

المبادرة الأوروبية

فوصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لهذه الفكرة بأنها "استفزازية" لم يأتِ في سياق انفعالي، بل كجزء من خطاب روسي متماسك يرى في المبادرة الأوروبية إعادة تدوير للأزمة لا مدخلًا لحلها، ويعتبرها محاولة لتغيير قواعد الاشتباك تحت مسمى الضمانات الأمنية.

المبادرة الأوروبية تعود إلى مطلع 2024، حين فتح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الباب علنًا أمام خيار نشر قوات برية، معتبرًا أن "عدم استبعاد أي سيناريو" ضرورة لردع روسيا. 

أخبار ذات علاقة

لقاء أوروبي أمريكي في برلين حول أوكرانيا

في أروقة برلين.. "صفقة سيئة" لأوكرانيا تنذر بصراع مفتوح بين روسيا وأوروبا

ولاحقًا وفي سبتمبر 2025، تبلورت الفكرة بشكل أكثر تنظيمًا عبر ما عُرف بـ"تحالف الراغبين"، حيث تحدثت باريس ولندن عن استعداد عشرات الدول للمشاركة في قوة "طمأنة" تُنشر داخل أوكرانيا في حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

وجود عسكري أوروبي

هذه التصريحات الروسية ليست الأولى، ففي مارس 2025، حذر لافروف من أن أي وجود عسكري أوروبي داخل أوكرانيا، حتى لو حمل صفة "حفظ السلام"، يعني عمليًا أن أسباب الحرب لم تُعالج، وأن التهديد الاستراتيجي على الحدود الروسية سيبقى قائمًا. 

ثم عاد لافروف في ديسمبر 2025، خلال المؤتمر الصحفي بالقاهرة، ليضع النقاط على الحروف، لا نية لروسيا لمواجهة أوروبا أو الناتو، لكن أي قوات أوروبية على الأرض الأوكرانية ستكون جزءًا من الصراع، وليست طرفًا محايدًا.

وأشار إلى أن الحديث عن قوة متعددة الجنسيات بقيادة أوروبية لا يتعلق بضمانات أمنية، بل بمحاولة "وقحة" لتحويل أوكرانيا إلى منصة عسكرية غربية متقدمة. 

أخبار ذات علاقة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

تحذيرات أمريكية.. بوتين يطمح للسيطرة على أوكرانيا بالكامل وأجزاء من أوروبا

وتشير التقارير الأوروبية، إلى أن المقترحات المطروحة بنشر القوات الأجنبية داخل أوكرانيا، تتراوح بين عشرات الآلاف وقد تصل إلى نحو 100 ألف جندي وفق بعض التقديرات، تتجاوز بكثير نطاق بعثات حفظ السلام التقليدية. 

وأن المهام المقترحة لا تقتصر على المراقبة، بل تشمل تدريب الجيش الأوكراني، وتأمين الدعم اللوجستي، والعمل في مدن استراتيجية مثل كييف وأوديسا، ما يعني وجودًا عسكريًا فاعلًا داخل العمق الأوكراني.

انقسامات حادة

وتعاني هذه المبادرة الأوروبية من انقسامات داخلية حادة، فبينما تقود فرنسا وبريطانيا هذا المسار، تبدي دول كألمانيا وإيطاليا وإسبانيا تحفظات واضحة، معتبرة أن نشر قوات في ظل غياب اتفاق سلام حقيقي قد يجر أوروبا إلى مواجهة مباشرة مع روسيا. 

وتقف أوكرانيا الآن بين الحاجة إلى ضمانات أمنية حقيقية، والخشية من أن تتحول هذه القوة إلى أداة ضغط سياسي تُفرض معها تنازلات مؤلمة، خاصة أن تجربة كييف مع الضمانات الدولية السابقة تجعلها أكثر حذرًا في التعاطي مع أي ترتيبات لا تتضمن التزامات واضحة وقابلة للتنفيذ.

أخبار ذات علاقة

موكب للجيش الروسي عبر وسط موسكو

روسيا تعيد رسم خارطة القوة وتفرض "معادلة التنازلات" لحرب أوكرانيا

ويرى الخبراء أن توصيف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لمقترح إنشاء قوة متعددة الجنسيات بقيادة أوروبية داخل أوكرانيا بوصفه "استفزازًا" يستند إلى معطيات سياسية وعسكرية واضحة، وليس مجرد رسائل تكتيكية.

وأضاف الخبراء أن الطرح الأوروبي، المدعوم أمريكيًا، يتجاوز فكرة الضمانات الأمنية إلى إنشاء مظلة غربية فعلية داخل الأراضي الأوكرانية، بما يشبه "ناتو بحكم الأمر الواقع"، وهو ما تعتبره موسكو تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي واحتمال مفتوح للاحتكاك العسكري المباشر. 

المعركة الإعلامية

ولفت الخبراء إلى أن إعادة طرح فكرة القوات متعددة الجنسيات لا تستهدف تغيير موازين القوى على الأرض بقدر ما تهدف إلى إدارة المعركة الإعلامية وخلق انطباع بأن روسيا لم تحسم الصراع، وأن هذه المقاربة تندرج ضمن منطق الردع والتصعيد، وتُغلق الباب أمام أي تسوية حقيقية قائمة على التفاوض.

وقال ديميتري بريجع، مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، إن تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لا يمكن قراءتها بوصفها "بالونات اختبار"، بل تستند إلى وقائع ومعطيات موثقة على الأرض. 

وأكد بريجع في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن المقترح الأوروبي طرح رسميًا في بيانات صدرت منتصف ديسمبر 2025، وقادته برلين، ويتضمن إنشاء قوة متعددة الجنسيات بقيادة أوروبية وبدعم أمريكي مباشر، لا تقتصر مهامها على أدوار رمزية، بل تشمل إعادة بناء القوات الأوكرانية، وتأمين الدعم اللوجستي، والعمل داخل الأراضي الأوكرانية نفسها. 

واعتبر أن هذه الصيغة أقرب إلى "خطوة استفزازية" منها إلى ضمانات أمنية حقيقية، وتهدف إلى إعادة إنتاج منطق الضغط العسكري والسياسي على روسيا، بما يمس جوهر الخلاف المتعلق بالتحكم الجوي والبحري والعمليات البرية.

وأشار مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، إلى أن توصيف موسكو لهذه الخطوة باعتبارها استفزازًا يقوم على 3 أبعاد مترابطة، أولها مخاطر الردع واحتمالات الاحتكاك المباشر، إذ إن وجود قوة أوروبية داخل أوكرانيا يخلق قواعد اشتباك معقدة ويجعل أي حادث تكتيكي قابلًا للتحول إلى أزمة استراتيجية. 

وتابع: "ثانيها ما يشبه "الناتو بحكم الواقع"، حيث تعني القيادة الأوروبية والدعم الأمريكي مظلة غربية فوق مسرح العمليات، وهو ما تعتبره روسيا تهديدًا وجوديًا لأمنها القومي، واستعادة لسيناريوهات فشل اتفاقيات مينسك".

أما البعد الثالث فيرتبط بالذاكرة الروسية لتجارب الشرق الأوكراني تحت مسميات عمليات أمنية، وما رافقها من تصعيد قومي وأمني.

مجالات الحرب 

وأشار ديمتري بريجع إلى أن المقترح يمس أكثر مجالات الحرب حساسية، وفي مقدمتها أنظمة الدفاع الجوي والإنذار المبكر والدفاع الصاروخي، إلى جانب الترتيبات البحرية والعمليات البرية، التي تعني عمليًا وجود قوة قادرة على الاحتكاك المباشر مع القوات الروسية.

وأكد أن الطرح لا يؤسس لسلام حقيقي، بل لسلام قائم على الردع، منسجم مع خطاب أمريكي أوروبي يسعى إلى طمأنة كييف، ولفت قانونيًا إلى غياب أي تفويض أممي، ما يعمّق أزمة الشرعية، مشددًا على أن موسكو تشترط موافقتها الصريحة على أي وجود غربي. 

أخبار ذات علاقة

ألكسندر جروشكو

روسيا: لا مؤشرات على تغيير "الناتو" لنهج المجابهة ولم نغلق باب الحوار

وأشار إلى أن السيناريو الوحيد القابل للنقاش يتمثل في آلية أممية محايدة بتفويض من مجلس الأمن، أو إشراك دول محايدة لم تفرض عقوبات على روسيا، معتبرًا أن الصيغة الأوروبية الحالية مرفوضة روسيًا بشكل قاطع.

من ناحية أخرى، قال الدكتور محمود الأفندي، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن أوروبا تواصل انخراطها في الصراع مع روسيا، وإن محاولاتها للتأثير في مسار العملية العسكرية الروسية داخل أوكرانيا باتت واضحة وتهدف في جوهرها إلى التلاعب بالوقائع القائمة على الأرض.

وتابع في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن الطرح المتعلق بنشر قوات متعددة الجنسيات في أوكرانيا مرفوض تمامًا من جانب موسكو، ولا يمكن أن يتم إلا بموافقة روسيا الصريحة، إضافة إلى موافقة مجلس الأمن الدولي، مشددًا على أن أي خطوات تُتخذ خارج هذا الإطار تُعد استفزازًا مباشرًا وواضحًا.

قوات متعددة الجنسيات

وأشار الخبير في الشؤون الروسية، إلى أن ما يجري حاليًا يعكس محاولة غربية ممنهجة لعدم الاعتراف بتحقيق روسيا لأهدافها، رغم ما وصفه بحالة الاستسلام الجزئي التي وصلت إليها أوكرانيا، لافتًا إلى أن إعادة طرح فكرة إرسال قوات متعددة الجنسيات لا تستهدف تغيير المعادلة العسكرية بقدر ما تسعى إلى خلق انطباع سياسي وإعلامي يوحي بأن روسيا لم تحسم الحرب لصالحها. 

وأكد المحلل السياسي، أن هذه الطروحات تخدم بالأساس إدارة المعركة النفسية والإعلامية، أكثر من ارتباطها بواقع ميداني فعلي.

وأضاف الدكتور محمود الأفندي، أن تصريحات بعض المسؤولين الأوروبيين، وعلى رأسهم وزير الخارجية الفرنسي، التي تتحدث عن خسارة روسيا للحرب، تندرج في إطار محاولات تصدير صورة إعلامية محددة للرأي العام الغربي، تتجاهل موازين القوى الحقيقية. 

وأشار الأفندي إلى أن دخول قوات متعددة الجنسيات إلى أوكرانيا، حتى لو تحقق نظريًا، لن يغير من الواقع العسكري القائم، موضحًا أن الجيش الأوكراني، من حيث العدد، يفوق في مجموعه العديد من الجيوش الأوروبية مجتمعة، ما يجعل هذه الطروحات أقرب إلى أدوات استفزاز سياسي موجهة ضد روسيا، ومحاولة لإقناع أمريكا بجدوى التصعيد.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC