كشفت مجلة "فورين أفيرز" أن فقدان إيران أبرز أدواتها الإقليمية، من انهيار "حزب الله" كقوة ردع، يضع طهران أمام خيارٍ جديد وهو البحث عن مظلةٍ خارجية تعيد إليها بعض التوازن، وهنا تبرز الصين كمرشح وحيد تقريبًا.
ويرى التقرير أن موسكو المنهكة في أوكرانيا لم تعد قادرة على تلبية احتياجات طهران العسكرية، بينما واشنطن وتل أبيب باتتا تملكان اليد الطولى في استهدافها متى أرادتا.
من جهة أخرى، الصين، بما تملكه من قاعدة صناعية عسكرية متطورة، قد تقدم لإيران ما تحتاجه: أنظمة دفاع جوي متقدمة، مقاتلات حديثة، وربَّما تقنيات صاروخية تعيد لها القدرة على فرض كلفة على خصومها.
وبحسب الخبراء، فإن إيران اليوم تقف عند مفترق طرق استراتيجي حاد؛ فبعد تراجع نفوذها في سوريا وخسارة حليفها الأهم في دمشق، لم يعد بوسع طهران الاعتماد على شبكة الوكلاء التي لطالما منحتها قدرة على المناورة.
فإسرائيل، خلال حربها الأخيرة، كشفت هذا العجز عندما استطاعت استهداف العمق الإيراني مباشرة دون خشية من انفجار جبهة إقليمية، والنتيجة كانت تدمير منظومات الدفاع الجوي الإيرانية، وتراجع قدرات الصواريخ الباليستية، وإحباط مسار التخصيب النووي؛ ما جعل إيران مكشوفة أكثر من أي وقت مضى.
ويعتقد مراقبون أن هذه "الحماية" التي تسعى لها طهران لن تكون بلا ثمن؛ فالتقارب المفرط مع بكين قد يحول إيران من ورقة ضغط بيدها إلى ورقة بيد الصين في مواجهة الولايات المتحدة. فبكين، التي تتعامل ببراغماتية حادة، لن تقدم السلاح مجانًا أو بدافع "التضامن الثوري"، بل ستربط أي دعم بمصالحها الأوسع: من ضمان تدفق النفط الإيراني بأسعار منخفضة، إلى استخدام الأراضي والمياه الإيرانية كورقة مساومة في صراعاتها مع واشنطن، سواء في بحر الصين الجنوبي أو حول تايوان.
والمفارقة أن طهران، التي بنت سرديتها لعقود على رفض التبعية و"الاستقلالية الاستراتيجية"، قد تجد نفسها اليوم مضطرة للقبول بوصاية صينية غير معلنة؛ فبكين لا تسعى لبناء "محور مقاومة"، بل لفتح أسواق وتأمين ممرات، وإيران قد تصبح مجرد محطة في خارطة النفوذ الجديدة، شبيهة بما كانت عليه دول آسيا الوسطى في ظل الهيمنة السوفيتية.
ويحذر البعض من أن الخطر الأكبر لإيران لا يكمن في فقدان هامش القرار المستقل فحسب، بل في أن تتحول إلى أداة صينية ظرفية؛ فكما تخلى السوفييت سابقًا عن حلفائهم عندما تغيرت موازين القوى، قد تجد إيران نفسها لاحقًا بلا دعم حقيقي إذا قررت بكين أن مصالحها مع واشنطن أو غيرها أثمن من استمرار المغامرة الإيرانية.
إذن، وبينما تراهن طهران على "التنين" لمعادلة خصومها، قد تستيقظ لتجد أنها جلست على مائدة لم تعد هي من يحدد قواعدها. والسؤال الجوهري: هل تقبل إيران أن تتحول من لاعب إقليمي مستقل إلى مجرد ورقة مساومة في لعبة صينية–أمريكية أكبر منها؟