كشف تقرير حديث أن تصاعد التوترات حول تايوان وبحر الصين الجنوبي، يثير مخاوف المحللين في واشنطن من أن يؤدي حادث بسيط أو خطأ في التواصل إلى إشعال نزاع لا تريده أي من القوتين.
وبحسب "فورين أفيرز"، فإن الولايات المتحدة منذ عقود، حاولت وضع “حوامل أمان” في علاقتها العسكرية مع بكين، على غرار ما فعلته مع موسكو أثناء الحرب الباردة.
وفي التسعينيات، كانت واشنطن تسعى إلى “طمأنة” الصين عبر قنوات حوار واتفاقات لتفادي سوء الفهم، لكن المشهد اليوم تغيّر: الصين باتت قوة عسكرية كبرى، وتزايدت الاحتكاكات من بحر الصين إلى تايوان؛ ما دفع واشنطن إلى البحث عن آليات “لبناء الثقة” ومنع انزلاق أي حادث صغير إلى حرب كبرى.
وحذّر عضو الكونغرس آدم سميث خلال زيارته لبكين مؤخرًا، قائلًا: "إنه خطر حقيقي ألَّا تكون لدينا قنوات تواصل عسكرية دائمة مع الصين".
ورغم المحاولات الأمريكية المستمرة، ترفض الصين حتى الآن وضع قواعد واضحة للتعامل العسكري؛ إذ تفسّر بكين هذه المبادرات على أنها محاولات أمريكية لكبح طموحاتها لا لضمان الاستقرار، وتخشى أن تتحول تلك "الآليات" إلى أدوات مراقبة أمريكية ضدها، ومع تزايد التكافؤ العسكري بين الطرفين، تعمّق هذا الارتياب أكثر من أي وقت مضى.
أثناء الحرب الباردة، طوّرت واشنطن وموسكو سلسلة اتفاقات لتجنّب الصدام، أبرزها: "اتفاق حوادث البحر" عام 1972 و"اتفاق الحد من الحوادث العسكرية الخطرة" عام 1989، ورغم محدوديتها، فقد حالت دون تصعيد العديد من المواجهات، لكن مع الصين، لم يُكتب لتلك النماذج النجاح.
في الثمانينيات، بدأت محاولات أولية لتبادل الخبرات واللقاءات العسكرية، قبل أن تُجمّدها واشنطن عقب مجزرة تيانانمن عام 1989، وبعدها، تكررت الحوادث، أبرزها أزمة مضيق تايوان 1995–1996، حين نشرت الولايات المتحدة حاملات طائراتها في غرب المحيط الهادئ لردع الصين، التي اعتبرت الخطوة إهانةً وطنية.
في أواخر التسعينيات، شهدت العلاقات انفراجة مؤقتة، إذ وُقّع اتفاق "الملاحة البحرية" عام 1998 وأُنشئت “الخط الساخن" بين واشنطن وبكين، في زمن الرئيسين كلينتون وجيانغ زيمين.
غير أن هذه القنوات لم تدم طويلًا. فالصين كانت تخشى أن تكشف مثل هذه الاتصالات عن ضعفها النسبي أمام القوة الأمريكية المتفوقة آنذاك، عوضًا عن ذلك، اختارت بكين الغموض والمناورة، معتبرة أن الانفتاح العسكري يُقيّد قدرتها على المناورة في أوقات الأزمات.
رغم تصاعد التوتر، رفضت بكين كل محاولات واشنطن لتأسيس آليات دائمة لإدارة الأزمات، سواء في الفضاء الإلكتروني أو الفضاء الخارجي أو البحار.
ويرى الخبراء أن الصين تعتبر أن أي اتفاق من هذا النوع يُكرّس تفوق الولايات المتحدة، ويمنحها "بطاقة خروج مجانية" في عمليات حرية الملاحة قرب شواطئها، وتبقى القناعة السائدة في صفوف الجيش الصيني أن الشفافية تخدم واشنطن أكثر مما تخدم بكين.
من جانبها ترى القيادة الصينية أن الغموض يردع الخصوم أكثر من الوضوح؛ فبينما تميل واشنطن إلى إعلان نواياها العسكرية لتجنّب المفاجآت، تفضّل بكين إخفاء قدراتها وخططها، لتبقي الولايات المتحدة في حالة توتر دائم.
والنتيجة: بيئة استراتيجية مشحونة يسودها سوء الفهم والارتياب، حيث يمكن لحادث عرضي أن يتحول إلى أزمة دولية في لحظة، والسبب الأعمق يكمن في طبيعة النظام نفسه: الجيش الصيني ليس مؤسسة وطنية مستقلة، بل “جناح مسلّح” للحزب الشيوعي.
كما أن أي تواصل عسكري مباشر مع الخارج يُعدّ مساسًا بسيطرة الحزب، لذلك يُرفض من حيث المبدأ. فالدبلوماسية العسكرية تعني تقاسم القرار في لحظة الأزمة — وهذا ما لا يسمح به النظام الصيني مطلقًا.
قد يرى القادة الصينيون أن احتمال نشوب حرب عرضية ضئيل، نظرًا لعدم حدوث توتر كبير منذ الحرب الكورية، لكن هذه الثقة قد تكون خطأً قاتلًا؛ إذ تكفي شرارة واحدة أو حادث اصطدام، أو مناورة خاطئة، لإشعال مواجهة لا يمكن السيطرة عليها.
تحتاج واشنطن وبكين إلى قنوات اتصال عسكرية عاجلة قبل وقوع الكارثة، لا بعدها؛ فالعالم لا يحتمل "أزمة صواريخ كوبية جديدة" في المحيط الهادئ، حيث قد تتواجه أكبر قوتين نوويتين في القرن الحادي والعشرين من دون خطوط حمراء واضحة.