تحوّلت صفقة موانئ بنما التي روّجتها واشنطن كانتصار ضد النفوذ الصيني إلى اختراق إستراتيجي لبكين مكّنها من فتح أبواب أمريكا اللاتينية عبر شبكة موانئ تمتد من المكسيك إلى الكاريبي.
وبحسب "فورين بوليسي"، أعلنت شركة "سي كيه هاتشيسون" القابضة، في مارس، عن نيتها بيع حصتها البالغة 80% في 43 ميناءً خارج الصين وهونغ كونغ لمجموعة تقودها "بلاك روك"، في خطوة بدا أنها انتصار للدبلوماسية الأمريكية "العدوانية".
لكن بكين تدخلت سريعًا، مستخدمة قوانين مكافحة الاحتكار والترويج العام للضغط على الشركة؛ ما أجبرها على إعادة النظر في الصفقة، كما طلبت الصين انضمام شركتها "مجموعة الشحن البحري الصينية" (COSCO) المملوكة للدولة بحصة 20 إلى 30% وحق الفيتو في أي اتفاق؛ ما أدى إلى تجميد المفاوضات.
وكشفت مصادر أن الوجود الصيني في البنية التحتية البحرية للمنطقة امتد إلى أكثر من 100 ميناء عالميًا، بما في ذلك 37 مشروعًا في أمريكا اللاتينية والكاريبي، وأظهر تحليل مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية أن ميناءي بنما، لا يشكلان أعلى المخاطر مقارنة بموانئ، مثل: مانزانيلو، وفيراكروز، وكينغستون، بسبب قربهما من الولايات المتحدة، واحتمالية تأثير الصين على عملياتها، إلَّا أن تدخل "COSCO" كمستثمر رئيس سيتيح للصين نفوذًا في شبكة أكبر من الموانئ، بعضها يحمل مخاطرَ اقتصادية وأمنية أكبر للولايات المتحدة؛ ما يجعل الصفقة المحتملة مكافأة سياسية قصيرة الأجل، لكنها قد تكون معضلة إستراتيجيةً على المدى الطويل.
وكشف مراقبون أن شركة "سي كيه هاتشيسون" القابضة، تاريخيًا، بدأت استحواذها على مرافق في أمريكا اللاتينية والكاريبي منذ التسعينيات، لكن قوانين الصين الوطنية، وقانون المخابرات لعام 2017، وسلطتها على هونغ كونغ بعد قانون الأمن الوطني 2020، جعلت الشركة عرضة لتدخل الدولة؛ فالصينيون استغلوا هذا النفوذ لإعادة توجيه الصفقة نحو COSCO، التي تعمل وفق مصالح بكين الوطنية، وتتصنف من قبل وزارة الدفاع الأمريكية كشركة عسكرية صينية، غير أن السماح لمجموعة "COSCO" بدخول الصفقة لن يقلل المخاطر على الولايات المتحدة، بل سيزيد النفوذ الصيني في الموانئ الحيوية، مثل: مانزانيلو، وفيراكروز؛ ما يهدد التعاون الأمريكي المكسيكي في الأمن الاقتصادي.
ويرى المحللون أنه وبينما قد تبدو أي صفقة تحقق انسحاب الصين من مينائَي بنما بمثابة نجاح سياسي يمكن للرئيس ترامب التفاخر به، إلَّا أن السماح لشركة مملوكة للدولة بالصين بالدخول إلى 41 منشأة أخرى في المنطقة، سيضاعف النفوذ الصيني على نطاق أوسع؛ ما قد يضر بمصالح الولايات المتحدة طويلة الأمد في التجارة والأمن البحري، لكن التحدي أمام واشنطن يكمن في تقييم التأثير الشامل لأي صفقة على الأمن الإقليمي والتجارة العالمية، لضمان أن تكون الإستراتيجية الأمريكية أكثر ديمومة وواقعية بعيدًا عن الخطابات المثيرة.