أعلنت إسبانيا حالة الطوارئ في جزر البليار، التي باتت منذ وقت قريب أسرع معبر بحري نمواً في أوروبا لمهربي البشر الذين يسعون إلى طرق بديلة، مع تواصل تدفق عشرات السفن والقوارب التي تحمل آلاف المهاجرين.
وأصبحت جزر البليار منذ أقل من عام "الخط الرئيس" الذي يسلكه المهربون، لتتعرّض لما يشبه "الغزو" من مهاجرين يُقدّر عددهم بنحو 47 ألفاً منذ نهاية 2024، بحسب تقرير لصحيفة "التايمز" البريطانية.
ويأتي هذا التحول بعد تغيّرات في منطقة البحر الأبيض المتوسط الأوسع، فقد انخفض عدد المهاجرين القادمين من موريتانيا إلى جزر الكناري، التي كانت تُعدّ سابقاً نقطة الدخول الرئيسة إلى إسبانيا، إلى النصف تقريباً منذ أن شدّدت موريتانيا الرقابة.
وبينما كانت الرحلة سابقاً، وعبر الخطوط القديمة، تستغرق أسبوعاً مع مخاطر كبيرة، وفق هيلينا مالينو من منظمة "كاميناندو فرونتيراس" غير الحكومية، فإن المسافة الطبيعية تُقدّر بـ 12 ساعة فقط.
واستبدل المهربون والمهاجرون الطرق الطويلة بطريق الجزائر–جزر البليار، وبحسب ألفونسو رودريغيز، الممثل الإسباني في جزر البليار، فقد كانت الزيادة في 2024 بنسبة 180% تقريباً مقارنة بعام 2023.
وأضاف: "هذا العام، وبحلول نهاية سبتمبر، ارتفعت أعداد الوافدين بنسبة 84% مقارنة بالعام الماضي". وقد وصل ما يقرب من 6000 مهاجر إلى الجزر خلال تسعة أشهر، أغلبهم من السودان والصومال ومالي، وهي بلدان تعاني من آثار الحرب الأهلية وانهيار الدولة.
ولم تكن الحكومة الإسبانية مستعدة بالشكل المطلوب، كما تقول مالينو، وهي تسارع الآن لإعلان حالة الطوارئ لمعالجة الأزمة، ووفق التدفق في ما أصبح نقطة عبور مهمة للهجرة الأوروبية.
يأس وخطر
تستغل "المافيا" حالة اليأس لدى المهاجرين من بلدان تمزّقها الصراعات الأهلية، ووفق رودريغيز، فإنهم يعرّضون الأرواح للخطر في قوارب بطول ستة أمتار مزودة بمحرك خارجي، ونظام تحديد المواقع العالمي بسيط وبدائي، وبعض الماء والوقود لمدة عشر أو اثنتي عشرة ساعة. وإذا ساءت حالة البحر، فعندها تُزهق الأرواح.
أما مالينو، فتقول إن العام الماضي كان هو العام الذي عُثر فيه على أكبر عدد من الجثث قرب السواحل، وقد عُثر على 45 جثة هذا العام، ولا يزال ما لا يقل عن 12 شخصاً في عداد المفقودين.
ويشهد عمال الإغاثة العواقب بأنفسهم، ووفق فيكتوريا أفيلا، رئيسة خدمات الطوارئ في الصليب الأحمر بجزر البليار، إنهم "يأتون في قوارب طولها خمسة أمتار وعلى متنها ما يصل إلى 25 شخصاً. إذا استغرقت رحلتهم خمسة أو ستة أيام، يصلون في حالة صحية سيئة للغاية".
وأضافت: "نرى الجفاف والأمراض المزمنة والجروح الناجمة عن الرحلة، وعواقب العنف والاغتصاب التي يتعرضون لها في الطريق. جميعهم معرضون للخطر، ولكن الأطفال هم الأكثر عرضة للخطر".
وكانت الأشهر الأخيرة_ سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر_ الأكثر ازدحاماً، خصوصاً عندما يكون الطقس جيداً لمدة ثلاثة أو أربعة أيام، فتُنظّم رحلات المغادرة.
وتُكافح الجزر للتكيّف مع الوضع، كما تشير مارغاليدا كابيلا من مرصد الهجرة المتوسطي، لافتة إلى أن مركز المهاجرين الوحيد في بالما كان يتسع لـ 44 مكاناً فقط.
وينام المهاجرون في محطة عبّارات بالما في انتظار تذاكر السفر إلى البر الرئيس، حيث يُمكنهم مواصلة السفر بحرية، متجهين في الغالب إلى فرنسا وبلجيكا.
وأمرت مدريد ببناء ثلاثة مراكز طوارئ جديدة في فورمينتيرا وإيبيزا وبالما، حيث تقوم هيئة الموانئ بإخلاء المساحات، فيما تعزز البلاد أيضاً دورياتها، حيث تتمركز طائرات جديدة تابعة للحرس المدني بشكل دائم في بالما لرصد القوارب.
وتتهم حكومة جزر البليار، التي يديرها الحزب الشعبي المحافظ بدعم من حزب فوكس اليميني الشعبوي، مدريد بالافتقار إلى سياسة هجرة فعّالة. وتعترض الحكومة على نقل الأطفال غير المصحوبين بذويهم من جزر الكناري، قائلة إن الجزر "تتجاوز طاقتها الاستيعابية".