logo
العالم

بوتين يعيد تعريف الردع.. الطاقة النووية بدلًا من الصواريخ

فلاديمير بوتينالمصدر: رويترز

بين جدران منتدى "أسبوع الطاقة الروسي" الذي انعقد في موسكو قبل أيام، لم تكن كلمات الرئيس فلاديمير بوتين مجرد دفاع عن نفوذ بلاده في سوق الطاقة، بل إعلانًا واضحًا عن استمرار روسيا في قيادة معادلة القوة عبر "النووي" لا عبر "النفط" وحده. 

فبعد 3 سنوات ونصف من حرب استنزاف طالت كل شيء، بدت روسيا وكأنها تعيد تعريف مفهوم الردع، ليس بالصواريخ أو الدبابات، بل بالمفاعلات التي تولد 19% من كهربائها، وتمنحها قدرة على التأثير في الاقتصاد العالمي بما يعادل 17% من سوق الطاقة.

وتشير البيانات إلى أن موسكو تمتلك اليوم 36 مفاعلاً تشغيلياً بقدرة تتجاوز 30 ألف ميجاواط، مع خطط لزيادة الطاقة النووية إلى 33.6 جيجاواط بحلول عام 2035، في ظل نمو متواصل بمعدل 2% سنوياً في إنتاج الكهرباء النووية.

فبينما حرصت موسكو على حماية منشآتها النووية، شنّت أكثر من ألف هجوم على شبكة الكهرباء الأوكرانية، وأجبرت أكبر محطة نووية في أوروبا - زابوريجيا - على التوقف، لتصبح كييف اليوم معتمدة بنسبة 70% على 9 محطات نووية موزعة على 3 مجمعات رئيسة.

وفي المقابل، فشلت المحاولات الأوكرانية القليلة لاستهداف منشآت نووية روسية مثل كورسك في إحداث أضرار مؤثرة.

ويشير مراقبون إلى أن بوتين يدرك تمامًا أن المستقبل النووي هو أحد مفاتيح النفوذ في النظام العالمي الجديد، وأن بلاده، رغم العقوبات، ما زالت تنفذ 13 مشروعًا نوويًا حول العالم من أصل 40 مشروعًا قيد الإنشاء، في دول مثل مصر وتركيا والهند. 

وفي هذا الإطار، أكد الخبراء أن الحرب في أوكرانيا تركت آثارًا عميقة على قطاع الطاقة الروسي، رغم أن موسكو لا تزال تسيطر على نحو 17% من سوق الطاقة العالمي، وهو ما يمنحها نفوذًا إستراتيجيًا واسعًا في موازين القوى الدولية. 

وقال مدير مركز GSM للأبحاث والدراسات في روسيا الدكتور آصف ملحم، إن منشآت الطاقة الروسية تتعرّض لهجمات مركّزة ألحقت خسائر غير مسبوقة، لا تقتصر على البنى التحتية فحسب، بل امتدت لتطال صادرات النفط والاستقرار الاقتصادي العام في البلاد. 

أخبار ذات علاقة

التوغل الروسي في أوكرانيا

بين طموح ترامب والتقدم الروسي.. هل تنجح "صفقة القرن الجديدة"بإنهاء حرب أوكرانيا؟

وأشار في حديث لـ"إرم نيوز"، إلى بيانات وكالة بلومبرغ التي سجلت تراجعًا حادًا في صادرات النفط عبر بحر البلطيق بعد هجمات الطائرات المسيّرة الأوكرانية على ميناءي بريمورسك وأوست-لوغا، حيث هبط متوسط الشحنات من 3.18 مليون برميل يوميًا إلى 934 ألف برميل وهو أكبر انخفاض منذ يوليو الماضي.

وأوضح أن ميناء بريمورسك الذي كان يصدر أكثر من مليون برميل يوميًا تراجعت شحناته إلى نحو 730 ألف برميل، كما انخفضت شحنات أوست-لوغا بنحو 50% تقريبًا، وأيضا تقلص عدد السفن الناقلة من 38 إلى 29 سفينة محمّلة بما مجموعه 22.26 مليون برميل مقابل 28.79 مليون سابقًا. 

وأضاف ملحم أن استهداف الموانئ شكّل جزءًا من حملة منظمة طالت مصافي نفط داخل العمق الروسي، مؤكدًا أن نحو 25 مصفاة تعرّضت لهجمات جوية منذ بداية 2025، وأن المنشآت التي استهدفت تمثّل حوالي 43% من قدرة التكرير، ما أدى إلى توقف نحو 20% من قدرة التكرير في الجزء الأوروبي لفترات طويلة.

وقال إن الخسائر، رغم صعوبة حصرها بدقة، "هائلة بما يكفي لتهديد استقرار سوق النفط العالمية". وأضاف أن هذه المخاطر دفعت، بحسب "فاينانشيال تايمز"، بعض الجهات الدولية ومنها الولايات المتحدة لطلب تخفيف العمليات على صناعة الطاقة الروسية، لكن أوكرانيا واصلت ضرباتها ووصفتها بـ"أفضل العقوبات المتاحة".

وأضاف أن موسكو لم توجه ردًا حاسمًا حتى الآن، وأن الطائرات المسيرة لا تزال تتسلل عبر "ثغرات رادارية" في خطوط التماس مستهدفة منشآت حيوية، في وقت لا تستطيع الدفاعات الجوية، رغم توفر مروحيات هجومية مثل كا-52، تغطية جميع محاور الاختراق.

وأشار إلى أن أحد الحلول المطروحة هو نشر أنظمة دفاع جوي متطورة مثل "بانتسير-إس إم" حول المصافي والموانئ، لكن قلة هذه الأنظمة واحتياج الجبهات لها، إلى جانب غياب منظومات إنذار واستطلاع مبكر بمدى 200–300 كم، تترك المنشآت معرضة للخطر.

من جانبه، أكد المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية الدكتور نبيل رشوان، أن محطات توليد الكهرباء النووية تمثل قضايا دولية فائقة الحساسية لا يجوز لأي طرف المساس بها أو الاقتراب منها، لكونها خاضعة لضمانات وإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وأضاف، في حديث لـ"إرم نيوز"، أن استهداف محطة نووية قد يترتب عليه تداعيات كارثية تتخطى حدود الدولة المعنية، إذ يمكن للانبعاثات الإشعاعية أن تؤثر على دول مجاورة كما حدث في كارثة تشرنوبل التي امتدت آثارها إلى نصف أوروبا تقريبًا.

ولفت رشوان إلى محطة زابوريجيا في أوكرانيا بوصفها أكبر محطة نووية في أوروبا، محذّرًا من أن مجرد التفكير في استهدافها يمثل مخاطرة كبرى لما قد يترتب عليه من أضرار بيئية وصحية إضافة إلى احتمال تصعيد عسكري واسع. 

وفي سياق أوسع، ذكر أن روسيا تظل لاعبًا رئيسًا في سوق الطاقة العالمي، تمثل نحو 17% منه وتنتج ما يقارب 10 ملايين برميل يوميًا حتى في ظل ظروف الحرب، مشيرًا إلى تراجع بعض المشروعات النووية المرتبطة بروسيا في دول مثل بنغلاديش والمجر وفشل مشروع في فنلندا بعد إلغاء التعاقد.

وأشار إلى أن روسيا طورت حضورًا واسعًا في قطاع الطاقة النووية وتوظفه كجزء من "قوتها الناعمة" لتعزيز نفوذها الجيوسياسي، وأن لها مشاريع في دول مثل كازاخستان ومحاولات تعاون مع أطراف أخرى، وبعض هذه المشاريع لم يكتمل.

أخبار ذات علاقة

فلاديمير بوتين

"التايمز": بوتين يتفوّق مجدداً على زيلينسكي بسياسة "التوماهوك"

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC