دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عقب لقائه نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي واتصاله الهاتفي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى "إبرام اتفاق سلام" بين موسكو وكييف، معلنًا أن الوقت قد حان "لوقف القتال" وإنهاء ما وصفه بـ"الحدود التي تُرسم بالموت والشجاعة".
الدعوة جاءت بعد سلسلة من التحركات الدبلوماسية المكثفة، شملت لقاء في البيت الأبيض، واتصالًا مطولًا مع بوتين، ما فتح الباب أمام تساؤلات عما إذا كان ترامب يسعى فعليًا إلى كتابة فصول "صفقة القرن الجديدة" ولكن هذه المرة في قلب أوروبا الشرقية.
وقال ترامب على منصة "تروث سوشيال" بعد لقائه زيلينسكي: "كان اللقاء مثيرًا للاهتمام ووديًا"، موضحًا أنه أكد لزيلينسكي وبوتين أن "الوقت قد حان لوقف القتال والتوصل إلى اتفاق".
وأضاف: "لقد أريق ما يكفي من الدماء، فيما تُرسم الحدود بالموت والشجاعة، ويجب أن يتوقف الطرفان عند النقطة التي وصلا إليها.. ودع كليهما يعلنا النصر، ولتترك الكلمة الأخيرة للتاريخ".
وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن ترامب يحاول استعادة صورته كـ"صانع صفقات" قادرة على إطفاء الحروب، يرى آخرون أن المبادرة الأمريكية قد تصطدم بواقع معقّد تقف فيه الأطراف المتحاربة داخل "حدود الموت"، حيث لا يبدو أن أحدًا مستعد للتراجع أو إعلان الخسارة.
ويؤكد الخبراء في الشؤون الروسية، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى للظهور بمظهر "رجل السلام" القادر على إنهاء الحرب بين موسكو وكييف، لكنهم شككوا في قدرته على تحقيق ذلك في ظل استمرار الصراع ضمن ما وصفوه بـ"حدود الموت".
يقول أستاذ العلاقات الدولية في موسكو الدكتور ميرزاد حاجم، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى للظهور بمظهر "رجل السلام" على الساحة الدولية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا.
وأضاف في حديث لـ"إرم نيوز" أن ترامب يريد أن يظهر نفسه كقائد عالمي قادر على إنهاء النزاعات، ولذلك قد يسعى إلى لعب دور فعّال في ملف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لكن السؤال الأهم.. هل سينجح؟
وأشار حاجم إلى أن لروسيا أهدافًا محددة في هذا الصراع، ودون تحقيقها لن يكون هناك مجال حقيقي للسلام، موضحًا أن فرص الحل السياسي كانت متاحة في مراحل سابقة، من خلال اتفاقيات "مينسك" والمفاوضات التي جرت في إسطنبول وباريس، لكنها لم تُستثمر كما يجب، وكان الخلل - بحسب قوله - من الجانب الأوكراني.
وأكد ميرزاد أن الشروط الروسية واضحة وثابتة، قائلاً إن "أوكرانيا لا تزال تتلقى دعمًا عسكريًا من حلف الناتو، بما في ذلك أسلحة بعيدة المدى تُستخدم في استهداف الأراضي الروسية، وفي الوقت ذاته تُطالب روسيا بالسلام.. وهذا ليس طلبًا حقيقيًا، بل لا يمكن الحديث عن تسوية إلا عندما تتوازن القوى، وتجلس الأطراف على طاولة الحوار، وتُقبل الشروط المطروحة".
وتابع: "دون ذلك، لن يكون هناك سلام دائم، ولن ينجح الرئيس ترامب أو أي طرف آخر في تحقيقه".
من جهته، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية بسام البني، إن القتل والحرب يمكن أن يتوقفا إذا وافقت أوكرانيا على الشروط الروسية، مشيرًا إلى أن الرئيس ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، خلال تواصلهما الأخير، وضعا النقاط على الحروف، وحددا الخطوط العريضة من أجل إنهاء هذه الحرب.
وأضاف البني في حديث لـ"إرم نيوز" أن اللقاء المزمع عقده على مستوى وزراء الخارجية يأتي للتحضير لما سماه "الخطوط الضيقة"، وذلك بعد التفاهم على الخطوط العريضة، موضحًا أنه إذا تم التوصل إلى نقاط تفاهم، فسيُعقد لقاء قمة بين بوتين وترامب في العاصمة المجرية بودابست، وسيفرض على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي القبول بها، إلى جانب الأوروبيين الداعمين له.
وشدد البني على أن "روسيا لن توقف عملياتها العسكرية ما لم تُحقق الأهداف التي أطلقت العملية من أجلها"، مؤكداً أن موسكو مصممة على تحقيق شروطها كاملة.
وفي حديثه عن نهج الرئيس الأمريكي، قال البني إن "ترامب يتصرف كبطل فيلم العراب.. يفرض شروطًا على الجميع، لكن لن يفضي هذا الأسلوب مع روسيا إلى نتيجة ما لم تكن هناك تفاهمات جدية وتخلى عن العنجهية في التعامل مع الدول".
وأضاف الخبير في الشؤون الروسية أن هذا أحد أسباب تأخير وقف الحرب، مؤكدًا أن الحل يتطلب احترام روسيا وتحقيق أهداف أمنها القومي، ودعم العملية العسكرية الخاصة التي أطلقتها، لأن كل محاولات الدبلوماسية السابقة قد فشلت.
وتابع: "روسيا دائمًا كانت مع الدبلوماسية، لكن ما حدث في إسطنبول، وما فعله رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون عندما قال للأوكرانيين: عليكم أن تحاربوا، قد خرب مسار التفاوض وأفشل جهود الحل السياسي".
وأوضح البني أن الشروط الروسية واضحة، وتتضمن تحييد أوكرانيا، ونزع سلاحها، ومنع انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي، إضافة إلى الاعتراف بالمقاطعات الأربع التي ضمتها روسيا، إلى جانب شبه جزيرة القرم.